ملخص لندوة د. التجاني سيسي بواشنطن عن أزمة دارفور


                                 
بسم الله الرحمن الرحيم


ملخص لندوة د. التجاني سيسي بواشنطن عن أزمة دارفور


تلخيص: ابوهريرة زين العابدين


دارفور تمثل جزء هام من تاريخ وجغرافية السودان تواجه اليوم مشاكل كثيرة ويعاني اهلنا في دارفور الامرين حرب وتشريد وتغيير كامل للنسيج الاجتماعي مما ادى الى نزوح ولجوء اعداد كبيرة. د. التجاني سيسي كان آخر حاكم لدارفور ابان الديمقراطية الموؤدة وحتى لحظة الانقلاب عام 89 فهو ابن الإقليم وطبيبه الذي خبر مواطن الداء ويعرف كيف يكون الدواء. وأيضاً هذا يعطي صورة للمقارنة ما بين الوضع ابان الديمقراطية وما وصل اليه الحال الآن نتيجة لسياسات مفروضة من جهات لا علم لها بالتركيبة المجتمعية وبكيفية معالجة المشاكل في مثل هذه المجتمعات فأدى إلى الكارثة المدلهمة الماثلة امامنا فإلى النص:-
اشكر
قوى المعارضة السودانية بواشنطن لاقامة هذا اللقاء وارحب بهذا الجمع في العاصمة الأمريكية والتي كما تعلمون تلعب دوراً ريادياً في مباحثات السلام، تلك المباحثات التي نأمل ان تضع حداً للحرب التي ظلت تشتعل لفترة زهاء العشرين عاما حيث احدثت خسائر كثيرة. ارحب بكم وارى بينكم اخوة كثر من المناضلين الأوائل في القاهرة، ارى مهدي داؤود، صلاح ا لزين ، حسن احمد الحسن وآخرون شاركوا معنا في القاهرة في النضال من اجل الحرية واستعادة الديمقراطية الموؤدة في الثلاثين من يونيو من نظام بطش باهل السودان.
نجتمع هنا لنتناول قضية دارفور التي بدأت تملأ الساحات الاقليمية والدولية لبشاعة ما يدور هناك. ارجو ان تسمحوا لي ان اقدم موجز تاريخي عن قليم درافور.
اقليم درافور ضم للسودان عام 1916م حيث كانت سلطنة الفور وهي احدى السلطنات الاسلامية آنذلك مع السلطنة الزرقاء. لعب هذا الاقليم دوراً كبيراً في تشكيل قومية السودان، كانت سلطنة دارفور سلطنة مستقلة وكانت حتى عودة السلطان علي دينار احدى امارات المهدية. لقد شاهد السلطان على دينار ماحدث لشعب السودان في كرري حيث استبسل أبناء السودان في معركة الكرامة والشرف والذود عن الوطن. عاد السلطان على دينار بعد سقوط دولة المهدية إلى دارفور حيث أعاد تأسيس سلطنة دارفور لأن السلطان على دينار اتخذ خطأ موازياً لسلطة الاستعمار آنذاك حيث أنه تعاون مع الباب العالي ضد القوى الاستعمارية. اجتاحت القوات البريطانية ميدنة الفاشر عام 1916م وتراجع السلطان علي دينار مع قواته إلى منطقة جبل مرة حيث استشهد في آخر معركة عام 1918م.
درافور خليط من قبائل الفور، المساليت، الزغاوة، وقبائل عربية جاءت من شمال افريقيا واستوطنت في درافور في أمن وأمان مع هذه القبائل المحلية مما خلق نسيج اجتماعي فريد واصبح الاقليم وحدة واحدة. الإستعمار لم يغير كثيراً في الحدود القبلية والبنية الاجتماعية بالاقليم بل أبقى الحال كما كان عليه في عهد السلطنة.
الصراعات القبلية كانت عادية نتيجة للاحتكاكات بين الرعاة و المزارعين ولكن اهل دارفور عن طريق الادراة الاهلية استحدثوا وسيلة فعالة لمعالجة تلك المشاكل وهي طريقة الاجاويد. وكانت هناك العديد من الصراعات بين هذه القبائل، على سبيل المثال: الرزيقات والمعاليا، القمر والفلاتة، الكبابيش والبرتي وغيرها، كل هذه الصراعات كانت تحل عن طريق الادارة الاهلية وكانت هناك مجموعة عوامل اخرى ساهمت في اذكاء نار الفتنة وساهمت في الاضطراب الامني منها.
·
حوادث النهب المسلح.
·
الصراعات الاقليمية في المنطقة.
·
قانون الحكم الشعبي المحلي الذي صدر عام 1971م.
حيث تم بموجبه تقسيم الاقليم الى مجالس ريفية محلية. الارض في دارفور محكرة وعندما نقول "حاكورة" دار رزيقات نعني بها ارض الرزيقات، حاكورة دار مساليت، اي هي منطقة المساليت.
بعد تطبيق قانون 1971 والذي استحدث مجالس ريفية جديدة بدأت تظهر على السطح خلافات حدودية بين هذه المجالس الجديدة وسرعان ما تحولت هذه الخلافات الحدودية إلى صدامات قبلية نذكر منها الرزيقات والمعالية والقمر والفلاتة في جنوب دارفور.
أما دار مساليت فلقد كانت هنالك سلطنة دار مساليت تتمتع بالحكم الذاتي طبقاً لاتفاق عام 1922 عندما احتفظت السلطة الانجليزية بحامية عسكرية واحدة فقط في منطقة اردمتنا بينما ظل السلطان هو المسؤول الأول عن ادراة سلطنته حيث احتفظ بسلطات دارية وقضائية واسعة. ساد الوئام بين المساليت والقبائل العربية التي هاجرت واستوطنت في السلطنة حتى العام 1995 عندما اصدر حاكم ولاية غرب دارفور آنذاك قراراً باعادة تقسيم دار مساليت والمنطقة الغربية إلى وحدات ادارية جديدة وتم خلق وحدات ادارية أهلية جديدة للقبائل العربية الوافدة. كان هذا القرار وما زال يشكل العامل الاساسي في ضرب النسيج الاجتماعي بولايات دارفور الكبرى حيث ادى إلى اندلاع حرب قبلية بين المساليت والعرب.
جاء الاسلام من شمال افريقيا وغرب افريقيا، ولم يات من الشرق ودارفور هي المنقطة الوحيدة التي سكانها مسلمون مائة بالمائة.
الإدارة الأهلية كنظام اداري وقضائي لعبت دوراً مقدراً في الحفاظ على النسيج الاجتماعي وحفظ الامن والاستقرار في دارفور. ويعود نظام الادارة الاهلية في عهد دارفور إلى عهد السلطنات القديمة عندما قسمت دارفور إلى خمسة ولايات (ديار) وهي:
1-
دار دالي- شرق جبل مرة.
2-
دار أبا أوما – جنوب جبل مرة.
3-
دار الكامنة – غرب جبل مرة.
4-
درا ريح تكناوي- الشمال.
رجال الادراة الأهلية ساهموا في حفظ الأمن بالأقليم وفي حل النزاعات القبلية في عام 1971 اصدر نظام مايو آنذاك قراراً بحل الادارة الاهلية مما خلق فراغاً ادراياً لم يتمكن الضباط الاداريون بمختلف مسمياتهم من سده مما ادى في نهاية الامر إلى اضطراب أمني بالاقليم حيث ازدادت حوادث النهب المسلح وكذلك ارتفعت وتيرة الصراعات القبلية.
أعيدت الادارة الأهلية عام 1988م وبرغم سلطاتها وصلاحياتها المحدودة تعمد نظام الانقاذ إلى خلق ادارة اهلية موازية من نشطاء النظام مما أدى إلى اضعاف نفوذ الادارة الاهلية.
شهد إقليم دارفور تدخلاً أجنبياً واسعاً ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرب التشادية التشادية والحرب الليبية التشادية. اثناء الفترة الانتقالية كانت هناك قوات ليبية في السودان وتدخل تشاد لمحاربة حسين هبري.
اتخذت المعارضات التشادية من اقليم دارفور مرتكزاً لها لتشن هجماتها على تشاد. وكما تعلمون أن هنالك قبائل كثيرة مشتركة بين تشاد والسودان فهنالك زغاوة في تشاد وزغاوة في السودان، مساليت في تشاد ومساليت في السودان، وكذلك الرزيقات، البني هلبة والمسيرية. استعانت المعارضة التشادية ببطونها السودانية وبالتالي توفر السلاح في اقليم دارفور مما استخدم لاحقاً في الصراعات القبلية.
الجفاف والتصحر ايضاً لعب دور في زعزعة الأمن والاستقرار بالاقليم حيث احدث هجرات افقية تدفقت على ضوئه مجموعات من القبائل الرعوية من غرب افريقيا حيث جاءت واستقرت في دارفور ادى هذا التدفق إلى حدوث احتكاكات بين المزراعيين والرعاة استخدمت فيها الاسلحة النارية. أيضاً الهجرات الرأسية من شمال الاقليم الذي تعرض إلى الجفاف والتصحر إلى جنوبه أحدث بعض الاحتكاكات.
عوامل اخرى أدت إلى الاضطراب الامني ومنها عوامل محلية حيث تم تشجيع التناقس القبلي. واثناء الفترة الديمقراطية تم اصدار مذكرة باسم التجمع العربي. والمذكرة خلقت مشاكل كثيرة وقسمت الاقليم الى عرب وغير عرب ولكن ابناء دارفور عملوا بكل انتماءاتهم لكي يقللوا من النتائج السلبية التي احدثتها المذكرة واستمرت المسألة الى ان قامت الحرب بين الفور والقبائل العربية.
تعرض اقليم درافور منذ استقلال السودان إلى عدة تدخلات مركزية سلبية ولكن التدخلات التي حدثت بعد انقلاب 1989م احدثت شرخاً بائناً في جدار النسيج الاجتماعي بالاقليم. في اعتقادي أن الجبهة الإسلامية قد قررت ضرب هذا النسيج الاجتماعي منذ عام 1986م عندما انفقت الملايين على حملتها الانتخابية بالاقليم وكانت تتوقع ان تفوز باغلبية مقاعد الاقليم، ولكن لم تفز الجبهة الا في دائرة واحدة وفي هذه الدائرة نزل المرشح مستقل. وبدأ المخطط للانتقام وهو في انه يجب اضعاف قوى الاقليم وقاموا بتقسيم الاقليم الى عدد اكبر من الوحدات الادراية الصغيرة، واصدر الوالي عام 95 قراراً بتقسيم دار مساليت والمنطقة الغربية الى 34 وحدة ادراية محلية، وتم خلق 6 عموديات ادارية لمجموعة القبائل العربية. وعندما تخلق عمودية يعني انك اخذت ارض وبدأت الشرارة منذ عام 95 الى الآن والسبب قرار حكومي ولم يصدر هذا القرار اعتباطاً.
ثم جاءت الطامة الكبرى حيث بدأت السلطة في تكوين مليشيا محلية وتم تدريبها وتسليحها بواسطة المركزوهي لا تتبع لسلطات الادراة المحلية او سلطات الولاية. هنالك لجنة مركزية مسؤولة عن ذلك وانيطت لها الاعتداء على القرى وطرد السكان من مناطقهم وبدأ ذلك عام 2000م ولم تكن هناك حركة للعدالة او حركة تحرير السودان في ذاك الحين. ونحن كابناء دارفور اجرينا اتصالات عديدة باهل الاقليم لتحديد هوية هؤلاء لمن يتبعون واخبرونا بانهم لا علم لهم.
قابلنا بعض مسئولي النظام الذين طلبوا منا المساهمة في حل المشكلة. قلنا لهم ونقول الاعلام الرسمي لا يعترف بأن هنالك مشكلة بل أن هؤلاء عبارة عن عصابات نهب قلنا ابدأوا معهم الحوار ونحن كأبناء دارفور بمختلف انتماءتنا سنعمل على وقف نزيف الدم بالإقليم وسندعم الجهود السلمية. تم التوقيع على وقف اطلاق النار بين حركة تحرير السودان والحكومة في سبتمبر 2003م ولكن بعد التوقيع على هذه الاتفاقية بدأت حملات تطهير عرقي منظمة في مناطق بعيدة عن مواقع الصدامات بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية في مناطق غرب جبل مرة وجنوب الجبل وشرقه، المنطقة حول كأس، المنطقة الغربية زالنجي، مناطق دار مساليت ووادي صالح بالاضافة إلى دار زغاوة.
استخدمت الحكومة في هذا الهجوم مليشيات الجنجويد وفي اقل من ثلاثة اشهر تم حرق اكثر من 400 قرية و تشريد حوالي ثلاثة ارباع مليون مواطن وقتل اكثر من ثمانية الاف فرد.
بدلاً من مواجهة الامر قامت الحكومة بعزل المنطقة ومنعت الاغاثة بل منعت المنظمات والدبلوماسيين من دخولها. وهنالك حوالي ربع مليون لاجي في تشاد يحتاجون الى اغاثة عاجلة ولابد من ان نساعد في انقاذ اهلنا ولا يمكن ان نجلس مكتوفي الايدي وسوف نطرق كل الابواب. والآن نسمع البعض يكرر بأن دارفور قد نالت حظها من التنمية يردد هذا الكلام الانشائي ونتمنى أن يسند هذا الحديث بالأرقام.
المجتمع الدولي ضاق ذرعاً وبدأ يتوجه باسئلة للحكومة. لقد قابلت مسؤولين في واشنطن وقالوا ان الحكومة تدعم هذه المجموعات حسب معلوماتهم من مصادرهم المحلية. حالياً بدأت الحكومة في تجميع النازحين وطردهم خارج نيالا الى مناطق غير آمنة وحتى عندما يحضر الاجانب الى المدينة لا يشاهدوهم ولكن اصر هؤلاء النازحين على البقاء برغم من الضرب الذي واجهوه وحكوا قصصهم وما حدث لهم للوفد المكون من السفير الانجليزي والقائم بالاعمال الامريكي والامم المتحدة وبذلك اعترف المجتمع الدولي بالمأساة في دارفور وان ما تقوم به الحكومة هو اشبة بالتطهير العرقي.
التهميش لا يقتصر على درافور واخواننا في الحركة تحدثوا عن استعادة الديمقراطية والتوزيع العادل للسلطة والثروة ونحن في درافور نشكل صمام الامان لوحدة السودان هذه قناعتنا وهناك تهميش في دارفور وكل السودان شمال شرق جنوب ووسط. التهميش مرده لجملة سياسات اتخذت في المركز ونتيجة لانه هناك حكومات دكتاتورية لا يحاسبها احد. والفائدة في الانظمة الديمقراطية انك يمكن ان تتحدث في البرلمان وفي الصحف وأن هنالك مساءلة والان لا تستطيع ان تفعل ذلك وما حدث لمراسل الجزيرة خير مثال لذلك. ولمعالجة اسباب التهميش لابد من الديمقراطية والحرية والشفافية والقسمة العادلة للسلطة والثروة.
كنت حاكم اقليم درافور واشهد الله ان كل مجهوداتنا سخرناها لمعالجة الاضطراب الامني وتوصلنا لمعالجة اغلب المشاكل القبلية ما بين المجموعات المتحاربة وبظروفنا والصعبة وبظروف الحكومة الديمقراطية تلك وكانت لدينا عدد من المشاريع:
·
كان هناك مشروع غرب السافنا ممول بواسطة البنك الدولي وكان يعني بتقديم الخدمات للاقليم.
·
مشروع تنمية جبل مرة ويعنى بتقديم الخدمات لجبل مرة وكأس وكبكابية وزالنجي وحتى وادي صالح بالقرب من الحدود التشادية وحدود افريقيا الوسطى.
·
تم التوقيع على قرض هولندي لمياه نيالا من حوض البقارة.
·
كان هناك العون الايطالي الذي بدأ بطريق الفاشر كبكابية الجنينة وبهذا العون تم حفر 74 بئر وقمت بافتتاح تلك الابار واغلقت الآن لانعدام الصيانة.
·
مشروع طريق الفاشر نيالا ممول من العون الهولندي.
·
مشروع مطار نيالا الدولي.
·
مشروع مياه الفاشر من ساق النعام بعون كويتي.
·
طريق نيالا كاس زالنجي والذي اصبح الآن طريقاً ترابياً لعد صيانته.
بالنسبة للتعليم كانت هناك مدارس وادوات مدرسية وتصرف الرواتب في المواعيد، والآن لم تصرف الرواتب ومتأخرة لمدة سنة وايضاً مشكلة ما يسمى بالفاقد التربوي فهي اكبر مهدد في الاقليم وفي كل السودان.
وفي الختام ارى ان يكون الحل بالاتي:
·
وقف اطلاق نار فوري وباشراف دولي وحتى لا تتكرر تجربة وقف اطلاق النار السابقة.
·
اذا تم وقف اطلاق النار لا يعني الاستقرار لان الحكومة لديها الجنجويد وينبغي سحب الجنجويد من هذه المناطق ثم يتم تجريدهم من السلاح.
·
اغاثة المنكوبين وهذا امر عاجل.
والان وصلت مباحثات نيفاشا الى مرحلة متقدمة ونتمنى ان تنجح هذه المباحثات لتضع حداً للحرب التي دارت في جنوب البلاد لاكثر من اربعة عقود.