دارفور
من اللهيب
الأحمر إلى
العدل
والمساواة
:
بؤرة
جديدة في
مشهد الصراع
السوداني
إعداد - نادية
حمزة :
في خضم
مشكلة الجنوب
وتفاقمها وازدياد
مخاطرها التي
تمخضت عنها
دعوات نادت
بفصل الجنوب
عن الشمال
ودعوات أخرى نادت بفصل
الشمال عن
الجنوب اضافة
إلى قضايا المناطق
المهمشة
استجدت بؤرة
صراع آخر في
السودان في
غربه بمنطقة
دارفور وصلت
تداعياتها
إلى حد احتلال
المجموعة
المسلحة التي
تزعمت الحركة
مقر محافظة
جبل مرة وتنكيس
العلم
السوداني
ورفع العلم
الخامس بالمجموعة
المتمرة وقتلها
العديد من
أفراد القوات
النظامية
ومدير مشروع
جبل مرة، وتطلق
هذه الحركة
على نفسها اسم
العدل والمساواةˇ
ودارفور
هي أقصى محافظة في
غرب السودان
تقع بين خطي
العرض 10 - 16 درجة
شمال وخطي
الطول 22 - 27درجة شرق وتبلغ
مساحتها 160 ألف
ميل مربع وهي
آخر المديريات
التي أصبحت
جزء من
السودان الحديثˇ
وقد ظهرت
سلطنة الفور
في منطقة سهل
جبل مرة المنطقة
السياحية
الجميلة وكانت تدين
بالإسلامˇ وقد
أتاح مناخ
الاستقرار
الذي وفرته
السلطنة
ظروفاً
مناسبة لدمج
المجموعات
القبلية
جميعها،
والتي تتكون
بصورة أساسية
اضافة للفور
من قبائل البرتي
والمراريت
والميما
والداجو
والبرقيد
والتنجور
والدادينجا
إلى جانب بعض المهاجرين
من غرب
أفريقياˇ
وينقسم
أقليم دارفور
عموماً إلى
ثلاث مناطق الجزء الشمالي
ويسكنه رعاة
الأبل
والجنوبي
يقطنه رعاة
البقر أما
المنطقة
الوسطى فقد
استقر بها
المزارعون
وكل ذلك يختلط
بتداخل رعوي
زراعي في بعض
المناطق مع
خليط أثني
قبلي متداخل
ومتباينˇ
وبتوسيع
سلطات
المشايخ عام 1928
فيما سمي
بقانون
الإدارة الأهلية
والذي تبناه
الانجليز
تعزز السلام وسط
المجموعات
الأثنية
المتداخلة
غير أن السياسة
البريطانية
ازاء الأقليم
والذي اعتبرته
مصدر خطر أمني
أدت إلى تهميش الأقليم
وساكنيه حتى
أن قانون
المناطق المقفولة
الذي طبق على
الجزء
الجنوبي من السودان عام
1922 مدت سلطاته
إلى أجزاء
معينة من
أقليم دارفور،
وأمتد هذا
التهميش على
مدى العهود
الوطنية
بحكوماتها
الدكتاتورية
والديمقراطية
فمن ناحية
سياسية ظلت دارفور
معقلاً
انتخابياً
لحزب الأمة
وطائفة
الأنصار بحكم
صلات المهدي
بالغرب
عموماً واحتضانه
لثورته ضد
الاستعمار
الثنائي من ناحية
وللصلات
الروحية بين
الحركة
المهدية وحركة
عثمان دان
فوديو في غرب
أفريقيا عامة
ومع ذلك تم
استبعاد
مواطني
دارفور كلياً من المشاركة
في صنع القرار
السياسي بحيث
لم يسمح لهم
بالبروز
كقادة وسياسيينˇ
ويجادل
دكتور شريف
حرير نائب
رئيس التحالف
الفيدرالي
المعارض،
وممثله في التجمع
الوطني
الديمقراطي
المعارض أن غالبية
جنود الجيش
السوداني
إبان الحرب الأهلية
الأولى 1954 - 1972
كانوا من
الفور بينما كان
الضباط
وقيادة الجيش
كلهم من أبناء
الشمال
والحال نفسه
كما يقول
ينطبق على
قيادات
الخدمة
المدنية
والمشروعات الكبيرةˇ ومن
الانصاف في
هذا الصدد
الاعتراف بأن
تبوء المناصب
الكبيرة في
الخدمة المدنية
والعسكرية
أملته ظروف
موضوعية تمثلت
في أن الكوادر
الوطنية التي
تسلمت قيادة
البلاد من
المستعمر
كانت من
المتعلمين
والذين تصادف
أن كان معظمهم
من الشماليين
بحكم أن
الاستعمار
قصد تركيز التعليم
واقامة
المشروعات
الكبيرة في
مناطق الشمال
والوسط بهدف
ايجاد حواجز
بين هذه المناطق
ذات الغالبية
العربية
الإسلامية ومناطق
الجنوب والشرق
والغرب تحت
دعاوى وجود
الكثافة
السكانية وسهولة المواصلاتˇ
منظمات
سرية
أدى
التهميش
المتعمد وغير
المتعمد
لمواطني أقليم
دارفور على مر
العهود إلى
ردة فعل وسط الشباب
المتعلم
والذين سعوا
إلى تشكيل حركات
سياسية اتسمت
معظمها
بالسرية
وهدفت كما
يقول الدكتور
حرير إلى
القضاء على سيطرة
التجار
والإداريين
من غير أهل
الاقليم ممن
يسمون
بالجلابة أي
الوافدين من مناطق النيل
والشمال
عموماً
متهماً إياهم
باستغلال
سلطة الدولة
المركزية في
القمع والثراءˇ
وقد
سيطرت على
مشهد السخط
الدارفوري في
الفترة ما بين
الاستقلال 1956 وثورة
أكتوبر
الشعبية 1964
حركتان
سريتان
الأولى حركة
اللهيب
الأحمر التي
هددت بأعمال
مناهضة
للجلابة عبر
منشورات
وزعتها في
المراكز
الحضرية
الرئيسية إلا
أنها لم تعمر
طويلاً رغم
الذعر الذي
نشرته وسط
جماعات
الجلابةˇ
أما
المجموعة
الثانية فكانت تطلق
على نفسها اسم
سوني وهي منطقة
أسفل قمة جبل
مرة وظهرت عام
1963 وهي مؤلفة
أساساً من
جنود وضباط في
القوات المسلحة
مع عدد قليل
من المدنيين
وقد أخذت الحكومة
في الخرطوم
آنذاك الأمر
بجدية وقامت
باعتقالات
وفصل من
القوات
المسلحة لمن يشتبه
بانضوائه تحت
لواء سوني
وشنت حملة دعائية
مكثفة وصمت فيها
الحركة بالعنصريةˇ
أتاحت
ثورة أكتوبر 1964
لكافة
السودانيين
ومنهم مواطني
دارفور فرصة تكوين
الأحزاب
والمنظمات
السياسية حيث
تشكلت جبهة
نهضة دارفور
ليس على قاعدة المطالب
الاقليمية
وإنما
للمشاركة في
اللعبة
السياسية،
وقرر
المؤسسون
اسناد
الرئاسة للمحامي
أحمد إبراهيم
دريج والذي
ربط الجبهة
بحزب الأمة غير
أن حزب الأمة
ابتلع الجبهة
فلم تتمكن من
الحفاظ على
هويتها الأقليميةˇ
وعندما
استولى
الرئيس جعفر نميري
على الحكم في
مايو 1969 حظر
الأحزاب
والمنظمات
السياسية
طوال فترة حكمه
التي استمرت
16 عاماً سيطر
خلالها
التنظيم الفرد
الاتحاد
الاشتراكي
على كافة
الأنشطة السياسية
باعتباره
الوعاء
الجامع لأهل
السودان وكان
هذا في المركز
فقط أما في الأقاليم
فقد عاد معظم
النشطاء
السياسيين إلى
هوياتهم
العرقية
بعدما حظرت
أحزابهم فكانت
دارفور حالة
اختيار
بالمعنى
الأوسعˇ
في مايو 1980
قرر نظام مايو
مد قانون الحكم
الذاتي
الاقليمي
لسنة 1972 إلى
بقية
الأقاليم
بهدف ارضاء
المشاعر الاقليمية، غير أن هذا
لم يحدث في
دارفور بصفة
خاصة حيث لم
يكن حاكم
الاقليم من
أهل دارفور ما أدى إلى
ثورة الأهالي
مطالبين
بتعيين حاكم للأقليم
من بين
ابنائه، ورغم
الشدة التي واجهت بها
الحكومة ثورة
الأهالي إلا
أنها استسلمت
في نهاية
الأمر وعينت
دريج أول زعيم
لنهضة دارفور
حاكماً لهˇ
ولكن
الخلافات دبت
بين أعضاء
الحكومة
الاقليمية على
خلفية
انتماءاتهم
الحزبية
وأصولهم القبلية
ما أدى
للانقسام بدل
الانصهار،
فظهر تحالفان
سياسان
معارضان الأول
مؤلف من
الزغاوة
ومجموعات
العرب الرحل والأخوان المسلمين
والذين أشتد
ساعدهم بعد
انكبابهم على
منظمات
الاتحاد
الاشتراكي
بعد المصالحة
الوطنية عام 1978
وقاد التحالف
نائب حاكم
الأقليم
محمود جماع الذي
ينتمي لأثنية
الزغاوة، أما
الفور
والتنجور
وعناصر نخبة
دارفور
الحضرية فقد
التفوا حول دريج
الفوراوي
والذي فاز
بمنصب الحاكم
في انتخابات ˇ1982
وكان
للتدهور
البيئي وكارثة
الجفاف التي
حلت بمناطق
واسعة من السودان
والحروب
الأهلية
المتواصلة في
تشاد المجاورة
والتدخل
الليبي أثره
الكبير في خلخلة
الهياكل
الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية
في دارفور إذ
نزحت إلى
مناطق الفور
والبرقيد
والبرتى
والداجو
مجموعات من قبائل
الزغاوة
ورعاة الابل
الأبالة من
ذوي الأصول
العربية وما
أدى إلى
احتكاكات تطورت
إلى صدامات
مسلحة بين
النازحين
والزراع وإلى
انقسام وسط
الحكومة
الاقليمية على أسس
أثنية تساند كل
مجموعة أو
مجموعات
دعاوى أحد
أطراف النزاع
واتهام
الحكومة الاقليمية
بمحاباة
الفور، ثم كان
أن غادر حاكم
الاقليم أحمد
ابراهيم دريج
الاقليم فجأة
احتجاجاً على
تكتم الحكومة
حول المجاعة
بالاقليم
وذلك في عام
ˇ1983
عوامل
دولية
تضافرت
تداعيات
الصراع
المسلح في
تشاد
المجاورة التي تشارك
السودان في
حدود طويلة
وتتقاسم معه
مجموعات
اثنية في
اذكاء الصراع
في دارفور
لانعدام
الأمن كلياً
أو جزئياًˇ في
عام 1983 طرد حسين
حبري الرئيس
التشادي جوكوفي
عويدي
المدعوم من
ليبيا من
منصبه بمساعدة
مباشرة ودعم
عسكري مصري
وأميريكي لعبت
فيه حكومة
نميري دوراً
كبيراً بهدف
الحد من النفوذ
الليبي جنوبي
الصحراء،
وبعد سقوط
نميري عام 1985
انتهزت ليبيا
الفرصة وقامت
بتسليح
معارضي حبري
من جديد وكذلك مجموعات
القبائل
العربية في
شمال دارفور
اضافة إلى
قبائل
المسيرية
الزرق وبني
هلبة ما
أجج الصراع في
دارفور بين
القبائل
الرعوية
والمزارعين
الفور وخاصة في
منطقة جبل مرة
وأدى ذلك
لسقوط العديد
من الضحايا
وحرق المراعي
والمزارع،
وكانت
العصابات العربية
المسماة
جانجاويد
والفرسان
تتجول في
مناطق الفور
وهي تحرق
وتقتل كل ما
هو فوراوي
ماحدا بالفور
لتكوين
ميليشياتهم
ومد الجسور مع
الجيش الشعبي
لتحرير السودانˇ
يقول
دكتور حرير أن
تولي الصادق
المهدي الحكم
في عام 1986 سهل
على الليبيين
استخدام
دارفور ممراً
آمناً لدعم المعارضة
التشادية،
بعدما ساعدت
طرابلس المهدي
مالياً
ومكنته من
الفوز في
دوائر دارفور
خلال
الانتخابات
البرلمانية
الأمر الذي
أدى إلى فلتان
أمني في
الأقليم
وعبور القوات
التشادية إلى
داخل الاقليم
دون رادعˇ
بحلول
عام 1988 ازدادت
النزاعات
الأثنية في
الإقليم
وسادت حالة من
صراع الكل
ضد الكل فيه
وعلى ضوء
هذاالوضع
الكالح تشكلت
في الخرطوم
هيئة غير
رسمية سميت المجلس
الوطني
لإنقاذ دارفور
في مارس 1988
بمبادرة من
بعض مثقفي
دارفور ضم
أساتذة جامعات
ونواباً من
مختلف
التيارات
السياسية
وقدر القيام
بمسيرة
احتجاج صامتة
لكن حكومة
حزب الأمة
حاولت حظرها
ومنعت نوابها
من المشاركة
فيها، وجرى
تفعيل للجنة وساطة بين
أطراف النزاع
بهدف التوصل
لحل سلمي وتوج
باتفاقية صلح
في 8 يوليو 1989 بعد
أسبوع واحد
من انقلاب
البشير في
يونيو عام 1989
وسرعان ما تم
نقض الاتفاق
بعد أشهر
قليلة، ثم دخل
عامل جديد في
ساحة الصراع بدارفور
تمثل في تولي
الجبهة
القومية الإسلامية
لمقاليد
الحكم في
السودان
ومواصلتها
نفس السياسات
السابقة في
دارفور بتعيين
حكام من غير
أهل الإقليم
اتهم بعضهم بالفساد
المالي
والإداري
ومحاباة بعض القبائل على
حساب الأخرى
ودعم وتسليح
الميليشيات
ممن تعتبرها
موالية لها
على حساب بعضها
ممن تعتبرها
مناوئة
ومعارضة لهاˇ
صراع غير
تقليدي
يرى
دكتور حرير
أن عامل الدعم
الخارجي الذي
تمتعت به
الميليشيات
ذات الأصول
العربية في
شكل إمدادات
أسلحة والثقة
بالنفس التي
تفجرت لدى
الفور عقب
تسلم واحد
منهم لمنصب
حاكم إقليم
في عام 1981 خلق
شعوراً
بالتفوق لدى
المعسكرين
فأراد ذوو
الأصول
العربية أن يحتلوا
أراضي الفور
بقوة السلاح
بأيديولوجيات
عنصرية توفر
التبرير
الثقافي
للمذابح التي
ارتكبت، فيما
حاول الفور من
جانبهم بعث عظمة
سلطنة دارفور
التي استعصت
على الغزاة
لمدة خمسة
قرون فأخذوا
على عاتقهم دور
حاول الميراث
الافريقي
الأسود في المنطقةˇ
عندما أخضعت
دارفور للحكم
الثنائي عام 1917
كآخر إقليم
انضم للسودان الحديث بعد
أن ظلت قرابة
الخمسة قرون
مستقلة في
إطار تحالفات
دول حزام
السودان الممتد
من البحر
الأحمر وحتى
المحيط
الأطلسي مثل
انتماؤها
لبقية
السودان
تراجيديا فقد
اتخذت بشآنها
سياسات قمعية
فقدت بها مظاهر
المشاركة في
السيادة
الوطنية
وانهارت نظمها
السياسية
والإدارية
والعلاقات
التي نمت
وتوطدت مع العالم
الإسلامي
وأوروبا بفعل
التبادل
التجاري
والثقافي
والفنيˇ فالأزمة
التي تعيشها
دارفور
حالياً
انبثقت عام
1884 - 1885 إبان مؤتمر
برلين الذي تم
فيه الاتفاق
بين الدول
الأوروبية
على تنظيم
عملية
استعمارها
لافريقيا
فرأى غردون
آخر حكام
السودان قبل
أن يدين للحكم الوطني على
يد المهدي أن
يضم الإقليم
للمستعمرات
الفرنسية حيث
كان يمثل له
هاجساً أمنياً
باعتباره
بؤرة فتن
وصراعات كما
أن بريطانيا
كانت تنظر
للإقليم نظرة
هامشية في
ظل تحديقها
نحو الجنوب،
فكان يعتقد
بوجوب أن يحكم
الإقليم أحد
أبنائه مع دفع جزية
للحكومة
دليلاً على
الالتزام
والولاءˇ وبعد
سقوط الدولة
المهدية
وعودة الحكم الأجنبي مرة
أخرى لحكم
السودان
حمّلت الحكومة
الثنائية
وقطاعات
كبيرة من
الشعب السوداني
مسؤولية ما
ساد عهد
الخليفة
عبدالله
التعايشي من
انتهاكات
وتجاوزات وقوانين
استبدادية
بحق أولاد
البحر اتسمت
بالتحيز للغرب
وأهل الغرب
عموماً،
حمّلت أوزار
ذلك العهد
للخليفة
التعايشي
شخصياً ولأهل
الغرب عموماًˇ
جريدة
الاتحاد : العدد
10130 بتاريخ 3/29/2003