حافظ حامد عبد الله/الرياض

 

 

بعد بروز أزمة جبل مرة بولاية دارفور الكبرى وما يمكن تسميته بحركة الاحتجاج المسموع ، كان لا بد لي أن اقدم مساهمة لا سيما وأنني انتمي الى تلك البقعـة من السـودان .

وبحكم أنني سوداني من منطقة دارفور فأرى بداهةً أن المشكلة قد تخص السودان بأكمله من حيث أن دارفور كانت وما زالت إحدى مناطق القطاع التقليدي الذي ظل يساهم بقدر كبير في الدخل القومي والناتج القومي وعائدات الصادر وبالتالي يساهم بقدر في كلفة حياة السودانيين .

يساهم غرب السودان ضمن القطاع التقليدي عموماً ب أكثر من 45% من مداخيل عائد الصادر دون البترول (السمسم 22% + الماشية واللحوم 13% + الصمغ العربي 5% + الكركدي وحب البطيخ 10% ) .source : Sudan Facts Report 99

هذه المناطق تساهم بهذا القدر في الدخل القومي دون أدنى كلفة استثمارية , هذه المنتجات لا تحتاج من الدولة لمدخلات إنتاج (سماد – وقود – مبيدات – آليات زراعية – خبراء – معدات اتصال) .

* البترول الذي دخل مؤخراً ضمن الدخل القومي تبلغ عائداته السنوية اكثر من اثنين بليون دولار وبحساب بسيط يبلغ نصيب السودان من العائد السنوي للبترول حوالي ( 393.300.000 ) أي ما يقارب أربعمائة مليون دولار بافتراض إن حصة السودان الحالية هي 19% ويصدر السودان حتى يناير 2003م حوالي ( 230.000 ) برميل يومياً ، ويبلغ الدخل اليومي لنصيب السودان ( 1.092.500 ) دولار .

 

وبالرجوع للموضوع الرئيسي إبداء بتناول لمشكلة دارفور موضحاً بعض الحقائق من جزور مسبباتها لا من نتائجها وتداعياتها حيث نشأت المشكلة وظلت تتفاقم لاكثر من ثلاثة عقود ، الأسباب خلقت نتائج متعددة ادت الي تداعيات مركبة (وهذا محور تعقد هذه المشكلة) .

أولاً : الأسباب :

1-  تناقص الموارد الطبيعية بسبب التدهور البيئي وانعدام الإدارة الجيدة للموارد المتاحة ( الشحيحة ) .

2-  تآكل المؤسسات التي تعنى بإدارة الموارد الطبيعية والحفاظ عليها مثل مصلحة الغابات ، المراعي والعلف ، صيانة التربة واصلاح الأراضي ، المياه الريفية ، الأرصاد الجوي ، وهي مؤسسات مركزية لم تحظى بدعم منذ السبعينات لاداء دورها

3-  انعدام التنمية المستدامة أو المدامة كما وصفها العالم د. منصور خالد .

4-  إغفال التنمية الخدمية / تعليم / صحة / مياه شرب / اتصال .

5-  النظرة السلبية للحكومات المتعاقبة حول تنمية الريف ، وتعمد الحكومة الحالية "الإنقاذ" والتي جاءت باجندتها الخاصة والتي في تقديري ألحقت السوء بعموم السودان مركزه وهامشه .

6-  التواجد المستمر لقوات تشادية سواء من المعارضة او فلول الحكومات المندحرة ولاكثر من ثلاثة عقود في الأطراف الغربية دون أدنى اهتمام من الحكومات المتعاقبة

7-  قيام (حكومة الإنقاذ) بدفع قبائل التماس لغرب السودان من الرزيقات والمسيرية لقتال الدينكا حتى يسهل جر هذه القبائل لقتال قوات المعارضة الجنوبية (قرنق) ، يعني تفتيت علاقة الشراكة الممتازة التي نشأت بين هذه القبائل (في الرعي والمياه مقابل الملابس والغذاء وهي شراكة لصالح هذه القبائل).

8-  ساهمت حكومة الإنقاذ في تأجيج الصدام بين كل من العرب والفور لتحقيق اجندة خاصة ودفع هاتين القبيلتين للقتال مع بعضهما وذلك لكون القبيلتين تنتميان لحزب الأمة، هو جزء من الجند الخاص بتصفية الأحزاب الوطنية، كما حاولت مع قواعد الاتحادي الديمقراطي في الشرق .  

ثانياً : النتائج الأسباب المذكورة اعلاه مجتمعة أدت إلى النتائج التالية.

1-  التدهور البيئي وشح الموارد  الطبيعية أدي إلى نزوح مجموعات اثنيه كبيرة من شمال دارفور الى جنوب دارفور مثل قبائل ( الزغاوة ، البرقد ، الميما ، الكنين ) بدأت الهجرات منذ عام 1973م بعد موجة الجفاف والتصحر التي ضربت تلك المنطقة وهي الأسوأ في تاريخ السودان .

2-  شكلت هذه الهجرات وموجات النزوح ضغطاً مطرداً للمرعى والمياه والأرض والغطاء النباتي أدت بدورها إلى تدهور في الموارد الطبيعية  المتاحة بجنوب دارفور (الإجهاد الرعوي over grassing   والزراعة المتنقلة shifting cultivation  والري الجائر وقطع الأشجار .source : SECS.Sudan << Reports

3-  الاحتكاكات القبلية بين القبائل نتيجة للضغط على الموارد الشحيحة أصلا ، واطل مسلسل العنف  والقتال .

4-  زيادة موجات النزوح من شمال دارفور ونقص متطرد للموارد الطبيعية في جنوبها وازدياد التوتر ولم تعد الجوديات واليات فض النزاعات المحلية والحكومية تجدي فتيلاً وسالت الدماء غزيزة على أودية وسفوح وسهول دارفور .

5-  خروج مجموعات كبيرة من الرعاة والمزارعين من دائرة الإنتاج (الرعوي والزراعي) واصبحوا فقراء في المقابل وجود السلاح بأدنى سعر سهل مهمة دخول بعض هذه العناصر لممارسة النهب المسلح (وسيلة كسب جديدة) ، تدفق السلاح من الحدود الشادية بالاضافة لتسليح الحكومة لقبائل التماس والدفاع الشعبي وهذا لعب دوراً مهما في اقتناء السلاح  .

6-  دخول عناصر من القبائل الشادية وفلول المعارضة الشادية وممارسة النهب المسلح وهم اشد قساوة من النهابين المحليين .

7-  اذدياد النعرات القبلية وطغيان روح الاستعلاء العرقي وإقصاء الأخر مكان التعايش المشترك وقيم النفير والفزع الجماعي وافساح الدار للمستجيرين من القبائل الأخرى ، وربما كانت الحكومة الحالية راضية عن هذا التنافر .

ثالثاً : التداعيات والنتائج المركبة  تراكمت النتائج وخلقت واقع مشوه معقد يمكن أن نسميه تداعيات الأزمة ونلخص اخطر ملامحه في الأتي :

التكتل الاثني الذي ظهر مؤخراً "كيمان" كوم القبائل ذات الجزور العربية وكوم القبائل ذات الجزور الزنجية ، وهذا التخندق قد يدخل كل المجموعات القبلية في دارفور تحت دائرة الصراع ويدخل دارفور في حرب قبائل مستدامة تحرق الأخضر واليابس (وظهر هذا جلياً في الصراع بين العرب والفور والزغاوة شمال دارفور وفي غرب دارفور العرب و المساليت) .

وخطورة هذه المسألة في أن القتال كان سببه الأساسي الصراع حول الموارد الطبيعية او بسبب نقص الموارد الطبيعية او انعدامها، وليس الأصل الاثني سببا في ذلك ودليلنا على ذلك انه كثيرا ما حدثت صراعات قبلية بين قبائل من اصل اثني واحد ومثال علي ذلك القتال بين المهرية والبنوهلبة / التعايشة والسلامات / الرزيقات والمعالية / الكبابيش والميدوب / وهي مصنفة ذات جزور واحده ، وكذلك القتال بين ( الزغاوة والبرتي / الزغاوة والبرقد ) .

الانعكاسات الخطيرة لهذه الاحتراب انتقال الصراع الي داخل المدن مثل نيالا الفاشر زالنجي وهنا لا نقصد القتال او النهب في شوارع هذه المدن لكن تشهد هذه المدن عدوات خفية حتى داخل مؤسسات الدولة السياسية والتنفيذية وحتى الامنية .

الحلـــول :

يصعب لحد ما تحديد مكان الداء لوضع الوصفة المناسبة للحلول وذلك نسبة لتأزم الصراع من اسباب واضحة الى نتائج وخيمة وتداعيات مركبة ، ولكن نستطيع ان نطرح مؤشرات يمكن ان تصلح لتأسيس رؤيا لحلول المشكل .

ضرورة سيادة روح الوطنية الحقة لدى صناع القرار بالنظرة العادلة لقضايا الهامش "كل الهامش"

إنشاء وحدة تخطيط مركزية من مهامها إعداد المشاريع التنموية للقطاعين التقليدي والمهمش يستقطع بنسبة 15% من عائدات البترول والباقي بواسطة المعونات الدولية (وليس بقروش السكر او تبرعات الفقراء) .

القيام بعمل مسح شامل ودراسات متخصصة لجميع مصادر الموارد الطبيعية المتاحة وإيجاد الحلول العلمية للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية ودعم المؤسسات الحكومية المعنية بإدارة البيئة والحفاظ عليها  .

إقامة السدود والحفائر ومقابض المياه إذ أن الهدر المائي و بسب عدم وجود السدود كان من الممكن أن يكفي لسقيا كل أنعام قبائل دارفور (معدل الأمطار حوالي 650/800  في السنة في جنوب دارفور) بضع سدود حول الأودية المنحدرة من جبل مرة كفيلة بتطبيع الحياة بين المهرية والفور وكانت كفيلة بحفظ عشرات المئات من الأنفس راحت ضحية لذلك الاقتتال وعشرات القرى والفرقان وهل السودان (المركز) يستكثر بضع دولارات لعمل سدود ومراقد مياه لهؤلاء (أبناء الهامش)

تأسيس بنية تحتية معقولة من طرق وجسور واتصالات حتى يسهل دخول معاول النماء المنطقة ويخفض كلفة التنمية .

البحث في كيفية إنقاذ مشروعي جبل مرة ومشروع تنمية غرب السافنا ال WSDC وإيجاد التمويل لهذين المشروعيين , لان الاول معني بادخال الحزم المستحدثة الخاصة بالبستنة و تطويرالغابات وقام لهذا الشان بابتعاث كفاءات سودانية الي احدى ارقى الجامعات في هذا المجال الا وهى جامعة ريدنج , أما المشروع الثاني كان يهدف إلى تطوير الريف الرعوي بولاية جنوب دارفور اقتصاديا واجتماعيا وقام بتطوير وبناء قدرات المواطنين المحليين( capacity Building   وتطوير قدرات المرأة الريفية (تم توقف المشروعان الآن وقامت الحكومة بالتصرف في إصولهما في اكبر مهرجان لتصفية التنمية تشهده دارفور الحديثة ) .

تأسيس منظمات مجتمع مدنى قوية في كافة اطراف دارفور تعنى بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وفض النزاعات (هناك نماذج مشرفة للجمعية السودانية لحماية البيئة حيث انشات فروع قوية في اطراف دارفور في الضعين ,جبل مرة , زالنجي , نيالا , بروش , ام كدادة , الفاشر , كتم , فرت برنو ,(عمل كاتب المقال مستشارا لفروع جنوب دارفور وكان لنا شرف المساهمة مع قامات رفيعة بحب السودان في تأسيس بعض هذه الفروع , أيضا بدأت منظمة SUDO بفتح مكتب فرعي بالضعين

البحث في كيفية استئناف العمل في طريق الإنقاذ الغربي بتمويل مركزي وليس من سكر أطفال غرب السودان .

هذا ما يمكن قوله في هذا الصدد ، فضلت عدم الاستقراق في التفاصيل وذلك حتى يمكن نشر البحث إلكترونياً (وهو مشروع ورقة تحت الإعداد لتقديمها لاحد الجهات البحثية) وان الموضوع يحتاج لنقاش هادف من مستنيري الشعب السوداني حيث ما ذلت ويشاركني معظم أبناء شعبي بأن الحكومة الديمقراطية القائمة على الوحدة الوطنية وفقا لمقررات اسمرة وحدها مؤهلة للحل , بالنظرة العادلة لكل السودان ونأمل بأن تشمل التنمية كل أرجاء الوطن ، جنوب السودان المنسي والشرق الحبيب ، طوكر وسنكات ، العبابدة في أقصى شمال القطر وقرى أدنى نهر عطبرة  ومناطق ارقو والمحس والبطانة والانقسنا وسهول كردفان ووديان دارفور .

وقتها سننعم كلنا بخير السودان وطن بالفيهو نتساوى دون ظلم او ضيم وطن لامكان فيه لاستعلاء ثقافي او عرقي سودان يسع الجميع ، في تقديري انه أن الوقت للاعتراف بحقوق الهامش والمظالم التاريخية بعيدا عن الوصفات الجاهزة والنعوت الكريهة التي يطلقها بعض حواري السلطة وأنصاف الجهلة بماضي ومستقبل السودان ، بوصف الحركات المطلبية بالعنصرية او الجهوية دون التفكير بمشروعية مطالبها ، وعلي الأذكياء من شعبنا ألان النظر مليا في المنفستو الذي طرحته مؤخراً جبهة تحرير دارفور .

قبل الختام يجب أن أؤكد أن دافعاً اخراً لهذه المساهمة هو إن بعض الذين تناولوا موضوع دارفور بالنقاش قامات فكريه سامقة تدرك معنى التنمية المستدامة والقسمه العادلة للثروة مثل الدكتور منصور خالد الذي يعرف ماضي وحاضر دارفور اكثر من الذين حكموا دارفور من ولاه ووزراء وغيرهم .

كما اثمن مساهمة أستاذ التاريخ السابق بجامعة الخرطوم د. خالد المبارك والباحث المبجل عبد الله آدم خاطر و د.محمد سليمان وكثيرون مثل أمثال العالم د. فاروق كدودة أستاذ الاقتصاد بالجامعة الاهليه ومداخلة السقف الإبداعي المحامي كمال الجزولي والأستاذ /عادل عبد العاطى.

حافظ حامد عبد الله/الرياض

مستشار قانوني/الرياض  

المصدر: سودان نايل

24 مارس 2003