الحوار لن يلغي الجنجويد بنيويا اذا لم نعترف بارتكابنا جرائم تصفوية غير مبررة  لصالح سلطة المركز

لابد من ميثاق للتعايش السلمي بتفعيل الدوائر الصغيرة ومقاطعة الخارجين على القانون

محمد حلا

mhalla@itsecret.com


في المقال للزميل عزت المهري تقاطعات هامة مع كثير من المهتمين بشأن دارفور ومآلات الحرب المستعرة فيها ولكن تنقصه بعض الشجاعة في الاعتراف الصريح بان نصيب قبيلة واحدة فقط من هده الحرب يساوي 37 عام من الخراب والفتن، وسبب رئيس في جلب التعاسة والفتوق التي أرهقت النسيج الاجتماعي في دارفور بكل تفصيلاته دون بروز صوت تيار مستنير (مثل المهري) وسط هذه المجموعات يندد بحس نقدي صادق وفاعل وجرئ يعطي أصحاب الحكمة والعقل الأمل المتاح في إمكانية تعميق الحوار من هذه النقطة إلي قمة القيادة وبالتالي يتحول المقال القيم في جوهره إلي يوتيبيا نخبوية حدودها الحيشان الالكترونية وندوات المثقفاتية دون ان تتحول لبرنامج عمل يشكل منفستو للتفاهم حول كيفية التصالح ونسيان الغبن والآلام التي مازال نواح الثكالى يفضح عجزنا ووهن ترابطنا طوال سنين العيش الكريم
الزميل عزت المهري.. سلام
التحيات النابضات.. وفي الأفق الذي تنكسر عنده الرؤية تتجمع رؤيتنا في تلك البؤرة.. نتوحد فاعلين في فرز المفاهيم المغلوطة عن الصحيحة توطأة لحشد معارفنا من اجل صياغة مفاهيم مستنيرة ومتقدمة في بنيتها الفكرية تمكن أهلنا البسطاء.. الأميين من إدراك المخاطر الاستراتيجية التي ستطال جميع مصالحهم في مجاميعها( الأرض والثروة) وسؤ تقدير تستغله السلطة والمركز بزخم نظرته غير المهتمه لدار فور تستخدم فيه (السلطة - المركز) مخطط تكتيكي تنجز فيه بعض أجندتها المسكوت عنها وتعمد فيه على إضعاف اكبر قوة فاعلة ومؤثرة والخوف من اتساع مطامعها لتطول مصالح قادة المركز التاريخيين إذا ما تجاوزت هذه القوى خلافاتها القبلية وارتضت التعايش السلمي لاقتسام القدح (المرعى والزرع) و توحدت حول قضاياها التنموية والتعليمية والصحية وتقاوم كل ما يهدر مواردها بإهمال الخ.!
حركت حركة تحرير السودان الراكد من برك الاهمال السياسي وصعدت إلي السطح قضايا تستوجب المواصلة في التعاطي مع مختلف الرؤى حولها بكل تداعياتها تبشيرا برؤية تصالحية وتبصيرا لبعض الذين يحول الغلو والعصبية بينهم وبين الرؤية في ابعد مداها ولكن ضيق الحيز الزمني والاختناقات حالت وتحول دون المشاركة في كثير من القضايا والمحاور الحيوية في هذا المشهد وربما هذا الموقف محسوب على وليس لي بما يتطلبه وضعي من ضرورة المشاركة والإسهام في هذا الحوار..
ولقد قدم عزت نقدا لامس كثير من مواطن العافية وقدم مسودة (الحد الأدنى) و بعض ما يقود إلي التشخيص السليم للمشكل الاثني في دارفور والخلفية المادية للمشهد الحالي وأسباب اتساع حمامات الدم التي أرهقت حزننا.. نعم لقد فقدنا أهلنا بالكوم والمجازر الجماعية ما زالت تطحن وتحصد أهلنا والخرطوم في مجالس انسها تصفق حين تشتبك قبائلنا.. لقد أصبت الحقيقة حين قلت (سبقتنا السلطة إلي الجنجويد) مستلغة حالتهم بكل نواقصها وألبت بالمال والعفو عن الخارجين عن القانون العصبيات القبلية مستغلة ثقافة الثأر ونجحت في تحريض المجموعات القبلية والعربية منها على وجه الخصوص ضد الحركة المسلحة ومجموعاتها القبلية حتى تلك التي تنام في قراها آمنة ورخصت لهم استباحة القرى الآمنة التي ينتمي لقبائلها بعض عناصر حركة تحرير السودان.. وهذا ما نبه له الصحفي محمد محجوب في باكورة الهمس بضرورة توحيد العرب ضد الزرقة في مجالس الخرطوم وخطورة ان تقوم مجموعات خارج مؤسسة القوات النظامية لمواجه الحركة ولكن السلطة لا تريد ان تشتري السلام في دارفور ولا المستقبل الآمن لأهله في غياب رؤية، تشرزم وضعف  الاتصال والحوار بين مثقفي دارفور من أبناء هذه القبائل ( يستثنى منهم بعض مثقفي القبائل والضالعون بشكل مباشر في هذه المعارك والترويج لأستمراريتها كعربون لمواقع متقدمة في السلطة او الحزب ..الخ وهم كثر) لذلك مشت السلطة بمنتهى الاستهتار في خطتها وهو تحصد نتائجه الآن بنشوة ( طول ما هم لا قاتل ولا مقتول). لقد أعطت بعض قبائل دارفور الحكومة لبسط هيبة الدولة وسيادة سلطة القانون في حسم بعض انتهاكات الجنجويد في حرقهم لبعض القرى وقتل جميع من فيها وحرق منازلها ونهب جميع ممتلكاتها حين تراخت الحكومة عن دورها في حماية القرى الآمنة بل ترفض تنفيذ احكام بالإعدام الصادرة عن قضاء مستقل في بحق مجرمين مبررها ان تقايط قبائلهم (حرية ذويهم بحجم أبادتهم لقرى تصنفها السلطة ضد أي موالية لحركة تحرير السودان.. هذه الممارسات أبقت الباب مفتوحا لكل الذين تضرروا من ممارسات الجنجويد للاستقطاب وعمقت الضغائن والأحقاد ما قاد دارفور ألي المحرقة المشتعلة الآن.
الدعوة للحوار بين أبناء دارفور ضرورة ملحة لا يخرج عليها إلا خائن او قصير نظر ولكن وفق فهم ومعرفه بجذور المشكل وتفكيك عناصره الموضوعية بشفافية وحياد واستنطاق المسكوت عنه في هذا المشهد لتفتيح معمياته بخيوط تقودنا إلي وضع الإصبع مكان العلة وليس مكامن الألم..هذه الدعوة تحتاج إلي مرتكزات أساسية
تضمن استمرارية الحوار مهما احتدت النقاش واختلفت الرؤى وهو ما متوقع ان يحدث في طورها الابتدائي او مربعها الاول
(Brain storming)
ولكي نقود هذه المبادرة نحو الشروع في بدء تحديد عناصرها الأساسية تعالوا نتفق على الآتي:
1-  ان المركز في مجموعه لا يعير المشكل القدر الذي يستحق من الاهتمام المسؤلية مبررين ذلك بأنه من شأن أهل دارفور (إلا في حدود ما يمس مواقعهم او يتصادم مع مصالحهم العامة)
2-  مهما كانت الاسباب والأخطأ لا مبرر لإستمرار الهجمات والهجمات المضادة بين حركة تحرير السودان والقيادات الأهلية للقبائل المعنية في الصراع.
3-  تحديد المحاور الاساسية حول الاذمة والأشخاص الفاعلين في الحوار(أي المنطلقين من أفكار مستنيرة وفاعلين في مجتمعاتهم القبلية) في ندوة نتفق عليها في أي من المدن .. شرطها ان نعترف بكل أخطائنا كي نتجاوزها..
4-  لا احد يزايد او ينكر حقيقة ان بعض القبائل العربية دون تعميم(وأنا احد أبنائها ) في إنها ارتكبت جرائم إبادة في حق الآخرين بما فيها قبائل عربية أخرى رفضت ان تكون جزء من هذه الفتنة منذ بداية الدعوة لما يسمى بالتجمع العربي.. قبائل ترتكب جرائم دون أي اسباب موضوعية ولا مبررة أي ومبررها الوحيد هو الغنائم من المال والسلاح (نهب مسلح وابادة) في وجود الضوء الأخضر من المركز ( الحليف التكتيكي) بعدم الملاحقة القانونية ولم تكن تلك الاعتداءات في كثير منها حالات ثأر كما قد نجد له بعض المسوقات والمبررات بطبيعة تركيبة المنطقة..
5-  في المقابل ان تعترف بعض عناصر القبائل غير العربية إنها تخطط لإقصاء العنصر العربي الذي يقاسمها التاريخ والدين والأرض لأكثر من 900 سنة وعمدت إلي تشكيل تنظيمات تبشر بهذا البرنامج العرقي والعنصري في أدبيات معروفه لأهل دارفور. هذه الاعترافات ستشكل الفحص الأولي لتشخيص الخلل والعطب الأساسي الذي أصاب تماسك ووحدة النسيج الاجتماعي في دار فور.
6-  ليس كل القبائل العربية مع ممارسات السلطة في سياستها فرق تسد والفاظ (عُربة وزُرقة) وليس كل القبائل غير العربية في الخط الضد للعرب والشواهد كثيرة سنقولها في حينها
7-  حركة تحرير السودان حركة مطلبية ليست ضد العرب وليست نهب مسلح وليس لها حسابات قديمة ضد احد بل نتاج طبيعي للظلم التراكمي واللامسؤول من المركز ضد الهامش ونضجت شروطه في زمن الجهة الإسلامية التي تكرر في أدبياتها السياسية ( لا تتفاهم إلا مع من يحمل السلاح) في تناقض مفضوح حول تسمية الحركة، مرةً بعناصر النهب المسلح وأُخري بالمارقين عن القانون ثم تطلب وساطة دولية للحوار معها كحركة سياسية تطالب بحقوق مشروعة وممكنة.
8-  لقد عاش أهل دار فور بتكويناتهم القبلية الحالية (مع بعض المتغيرات الطفيفة) طوال الـ700 سنة الفائتة في تعايش سلمي إلي الحد الذي نستطيع ان نجزم انه لا توجد قبيلة في دارفور بدون علاقة مصاهرة ودم مع مختلف قبائل المنطقة (عرب وفور ومساليت وغيرهم) إلي ان استخدم الإنجليز في صراعهم ضد سلطنة الفور بقيادة السلطان علي دينار (يرحمه الله) القبائل العربية وبعض الأمراء من عائلة السلطنة للتآمر ضدها وهو ما يسعى لتسويقه المركز-السلطة بقيادة علي عثمان محمد طه وللأسف يفوت على أهل دارفور قيادته الأهلية ومثقفيه قراءة التاريخ ببصيرة نافذة وناقدة تهدم سالبه وتبني رؤية لمستقبل عيوبه في ادني مستوياتها.
9-  نبشر بثقافة السلام واستخدام وتفعيل الدوائر الصغيرة والمدنية بميثاق جامع يوقع عليه جميع قادة ومثقفي وقانوني القبائل المحبة للسلام في دارفور نتمسك بمبدأ رفض الدية في جميع الاغتيالات الجماعية وان يسود القانون في الحكم على القاتل المشارك والمحرض والمزود (حد الحرابة) وان أي مجموعة قبلية تعتدي على أي قبيلة مهما كانت المسوقات والمبررات يتم مقاطعتها اجتماعيا واقتصاديا ولا يسمح لها بأي نشاط خارج حدود ادارتها الأهلية وفق معايير اهل دارفور.
ربما غالبية أهل دار فور الآن أشواقهم وقلوبهم مع حركة تحرير السودان في جوهرها (لآن الخرطوم لا تفهم إلا لغة العنف) ولكن ربما هناك بعض الأخطاء في وجود عناصر داخل الحركة لها أهداف تصفوية ضد بعض القبائل ربما لثارات قديمة تجعل التجاوزات الأخلاقية أحيانا حقيقة وهذا هو ما نريد ان نصل إليه ان نُخرج الحركة من أي صبغة أثنية او قبلية تنطلي بها او تُطلى عليها وتصحيح الأخطاء الممكنة ومتاحة وتحجيم الانجراف عن المعركة الأساسية مع المركز في فكره الجمعي والذاتي..
الحوار المباشر بين أبناء دار فور هو وحده الداعم لأي عمل مطلبي مهما اختلف شكله طالما ظلوا متفقين حول القبول ببعضهم بموروثاتهم التاريخية والاجتماعية ومتوحدين حول حقهم في التنمية وخلق آلية لتدوال السلطة الإقليمية.. الخ
يا أهل دارفور علينا ان نحاور أنفسنا ومن حسنات الحركة  الشعبية لتحرير السودان (قرنق) والجبهة الاسلامية (ذهنية المركز) ان تبين لنا مستوى الفشل الذي أدمنته النخبة لأنهم بمختلف ألوانهم السياسية ظل الكثير منهم حبيس أحاجي حبوباتهم التي كثيرا ما تروج وتسوق للسمو الاثني وعلى هذا الصياغ علق كثير من الكتاب والمحللين عند بداية الحركة المسلحة في دارفور بتعليقات لا تعدو كونها بوهيمية ونخبوية متعالية على الواقع المر الذي تعيشه دارفور .. ليس مسؤولية أهل دارفور وحدهم إحداث التغير في واقعهم.. وطالما المركز لا يخضع باقتسام الثروة والسلطة إلا بالكلاش والتدويل (في غياب صوت النخبة ومراكز القوة) علينا ان نتفق يا أهل دارفور وان نتعظ من الحركة الشعبية-قرنق التي استطاعت ان تتجاوز الصراع التناحري بين تكويناتها قبائل الجنوب في ماعون واحد لمدة أكثر من عشرون عام كانت نتيجة صبرهم على الوحدة والتماسك وتجاوز التصدعات والانزلاقات المزاجية ان كان لهم ما أرادوا وسيكون لنا ما نريد.. علينا إلا ننخرط بدون تروى وراء الأفكار التصفوية والاقصائية التي ربما استقطب المركز بعد المثقفين للقيام بهذا الدور.. لا لسياسة (عربة وزرقة) نعم للسلام الآمن والاستقرار والتعايش وقضيتنا ليس سوى تهميش المركز لنا وهضمه حقوقنا المركز الذي استأثر بكل السلطة والثروة
محمد حلا