شاطئ الأسكندرية!

"

رسالة من عمق التاريخ للأجيال الصاعدة من أبناء دارفور
"

د. حسين آدم الحاج

الولايات المتحدة الأمريكية

helhag@juno.com

الأمير محمد أبو مدين بن السلطان عبدالرحمن الرشيد (والملقب فى تراث دارفور بأبى مديومة) من أمراء سلطنة الفور وأخ أصغر للسلطان محمد الفضل (1787-1839م), ظلَّ يجتر أحلام اليقظة وهو يجلس صباح كل شمس جديد على شرفة إحدى قصور خديوى مصر محمد على باشا الفاخرة والمطلة على ساحل مدينة الأسكندرية العريض, لقد عاش فيها الرجل الشاب لفترة قصيرة جاء إليها فى صحبة الخديوى الذى فرض عليه الإقامة الجبرية فى مصر كسجين لديه, لكنه أكرمه فى نفس الوقت كسليل سلاطين يمكن الإستفادة منه إذا لزم الأمر, خاصة وقد وضع الخديوى دارفور نصب عينيه لإحتلالها وإضافتها لبقية مناطق السودان الأخرى التى إستولى عليها قبلاً, لقد كان الأمير يقيم بالقاهرة أساساً على مقربة من قصر الحكم لكن كان يسمح له بالحركة حراً طليقاً فى أرجاء المدينة بشرط ألاَّ يخرج منها إلى أى جهة أخرى إلاَّ بإذن خاص من الخديوى نفسه.

تقول الروايات التاريخية إنَّ العلاقة بين مصر وسلطنة دارفور أصابها توتر شديد نتيجة لإحتلال القوات التركية بقيادة محمد بيك الدفتردار لكردفان, والتى كانت حينها تابعة لسلطنة الفور, وذلك أثر هزيمة جيوش المقدوم مُسَلَّم عامل السلطان هناك فى معركة عنيفة ببارا عام 1821م, أبلى فيها المقدوم وجيشه بلاءاً حسناً, ولمَّا علم السلطان محمد الفضل سلطان دارفور بالفاشر بنبأ هزيمة قواته وسقوط كردفان سارع بتجهيز جيش ضخم آخر بقيادة القائد أبولكيلك لإسترداد المنطقة من القوات الغازية المحتلة, لكنه لقى نفس مصير سلفه وإنهزمت بصعوبة أمام السلاح النارى المتفوق للأتراك فى معركة سودرى بعد أن كانوا على وشك الإنتصار عليهم, سكنت بعدها الأوضاع بعد أن إكتفى الخديوى بنزع كردفان من دارفور, لكنَّه سرعان ما تبنى إستراتيجية مغايرة مستبطناً خططاً مصلحية وقرر إعادة العلاقات الودية مع السلطنة وإحياء النشاط التجارى فى درب الأربعين, خاصة وأنَّه كان فى حاجة ماسة إلى النحاس الذى تنتجه سلطنة دارفور من حفرة النحاس فى الجزء الجنوبى الغربى الأقصى منها, فأوعز إلى عامله الجديد بكردفان بتشجيع سلطان دارفور لإستخراج ذلك المعدن لصالح البلدين وتقوية العلاقات التجارية بينهما, ونسبة لمعرفته بقوة شكيمة أهل دارفور وشجاعتهم فى الحروب فقد أمر عامله بكردفان سراً بمحاولة تجنيد ما تيسر له من شباب السلطنة للعمل فى جيش الأتراك, لكنه شدد عليه فى نفس الوقت بعدم تقديم أى دعم أو أسلحة لجيوش السلطان, ولما علم السلطان محمد الفضل بتلك الخطة غضب غضباً شديداً, بعد أن أحسَّ فى الأمر إذلالاًُ له, فبادر بقطع علاقته بمصر, وقفل حدود دارفور فى وجه القوافل التى كانت تأتى عن طريق درب الأربعين, بل وقام بطرد المماليك الذين إلتجأوا إليه فى السابق خوفاً من بطش محمد على باشا, الذى نكل بهم تنكيلاً مؤلماً, ففر أكثريتهم جنوباً نحو السودان يمارسون النهب وقطع طرق القوافل فى الأجزاء الشمالية منها بالقرب من الحدود المصرية, ولمَّا فتح إسماعيل باشا إبن الخديوى السودان فرَّ أولئك المماليك من وجهه وتوجه أكثريتهم ناحية سلطنة دارفور وإلتجأوا عند السلطان هناك فأعطاهم الأمان بشرط ألاَّ يثيروا أى مشاكل أو يتدخلوا فى شئون سلطنته, لكن نسبة لتعقد الأمور مع مصر ورسائل التهديد والوعيد المتبادل بين السلطان والخديوى فقد خشي السلطان منهم, مخافة من أن يتحولوا إلى جواسيس أو طابور خامس ضده, خاصة وقد عرف أن كثيرون منهم ظلوا يجترون أياماً سعيدةً كانت لهم بمصر ويتمنون العودة إليها مرة أخرى, فأمر بطردهم لكنَّهم خافوا العودة لمصر فى ظل الخديوى فإنتقلوا من دارفور وإستقروا بمملكة ودَّاى فى الناحية الغربية لدارفور, والحال هكذا أرسل الخديوى خطاباً إلى السلطان عام 1830م, أى بعد 9 سنوات من إحتلاله لكردفان, يطلب منه تسليم دارفور, فرفض السلطان فى إباء وشمم وردَّ رسالة الخديوى برسالة مماثلة يهدده ويتوعده من مغبة تصرفه الغاشم جاء فيها: "أَوَ غرَّكم قتالكم مع ملوك سنار والشايقية؟ فنحن السلاطين وهم الرعية.. أما علمت أنَّ دارفور محروسة محمية بسيوف قطع هندية, وخيول جرد أدهمية, وعليها كهولة وشبان يسرعون إلى الهيجاء بكرة وعشية؟" وهدأت الأوضاع بعدها لبضع سنوات. وفى العام 1836م قرر الأمير محمد أبو مدين أداء فريضة الحج وأراد أن يستثمر رحلتة إلى الأراضى المقدسة للمرور بمصر أولاً لمقابلة الخديوى, ومحاولة إزالة الخلافات بين الدولتين, والتوسط لديه لإعادة العلاقات الودية لسابق عهدها خاصة وأنَّه كان يحلم بإستخلاف أخيه على عرش السلطنة, ولذلك فقد إرتأى أنَّه من المناسب أن يمهد لذلك بنفسه, فوصل إلى الخرطوم وإلتمس الإذن من الحكمدار خورشيد باشا للسفر إلى مصر لمقابلة الجناب العالى, ثم التوجه للأراضى المقدسة بعدها, فأمهله خورشيد قليلاً وحاول إستمالته لجانب الحكومة التركية وبذل له الوعود ثم بعثه للخديوى بمصر مع رسالة سرية بخصوص محاولاته تلك, لكن مع تصاعد الأحداث فى بلاد البلقان والجزيرة العربية, بجانب فشل الحكمدار خورشيد فى تقدير قوة سلطنة دارفور العسكرية بدقة نسبة للسرية المطلقة التى أحاط بها السلطان الأمور فى بلاده, ويقال أنَّه ضرب حِجَاب وقائى (سحرى) أمر بدفنه على طول حدوده الشرقية مع كردفان, قررالخديوى تأجيل فتح ملف دارفور إلى الوقت المناسب, وبسبب ذلك فقد وجَّه بإبقاء الأمير أبو مدين شقيق السلطان رهينة لديه بمصر, على أمل الإستفادة منه مستقبلاً حسب الظروف وتطورات الأحداث, لكنه فى نفس الوقت أوحى إليه بتنصيبه سلطاناً على أهله بدارفور, بعد أن يتم فتحها, تفادياً لرفضهم أو مقاومتهم لوجود الأتراك فيها, وأسكنه قصراً فى القاهرة ثم قصراً آخراً مطلاً على ميناء الأسكندرية عندما يلتجئ إليها فى الصيف هرباً من حر القاهرة, وأجرى عليه من المال والجاه كل ما من شأنه أن يعيش حياة الأمراء المرفهين, وأن يستمتع بوجوده فى الأسكندرية كيفما شاء له بشرط ألاَّ يغادر حدودها إلى أى منطقة أخرى إلاَّ بإذن مباشر منه, فلم يجد الأمير الشاب بداً لذلك وطفق يفكر فيما سيفعله فى دارفورعندما تؤول إليه أمور الحكم والسلطنة فيها يوماً ما.

ويقال أنَّ الأمير قد أُعجب أيُّما أعجاب بحضارة مصر, والأسكندرية خصوصاً, مقارنةً بما نشأ عليه وشاهده فى بلاده بدارفور, ولذلك فلربما أصابه الإندهاش والإنبهارأكثر من الإعجاب فقط, فكان يجلس الساعات الطوال على أحدى شرف القصر المطلة على شاطئ الأسكندرية صامتاً يتأمل ساحلها الرملى الأبيض العريض إلى أن يختفى عند الأفق بين السماء والبحر, ثمَّ يشاهد فى جانب آخر السفن وهى تفرغ حمولتها أو تعبأ والعمال نشطون على ظهورها يتحركون بهمة وخفة مثل النمل, وقد يمل الأمير تلك الجلسات الطوال فيخرج يتمشى فى شوارع المدينة الواسعة يشاهد مبانيها البيضاء المرتفعة على جنباتها, ويتجول فى حدائقها الخضراء, ويتفرج على ميادينها الواسعة الفسيحة التى تتقاطع عندها الطرق, يشاهد كل ذلك ويردد فى سره:

"والله لئن عدت إلى بلادى وأصبحت سلطاناً لدارفور لبنيت شوارعاً عريضة وواسعة مثل هذه", أو "لفتحت مدارساً جميلة لتعليم الأطفال كتلك", أو "لأنشأت مساجداً ذات منارات عالية أصلى فيها والناس كل يوم", أو "لأقمت أسواقاً حديثة تمتلئ بالبضائع المختلفة من كل أنحاء العالم", ألخ ... ألخ. ويظل هكذا الساعات والأيام والأشهر الطوال فى مصر بين الأسكندرية والقاهرة يمنِّى نفسه ويسترسل فى أحلام اليقظة ليس بصدد نفسه بل من أجل أهله بدارفور. تذكرت قصة الأمير أبومدين خلال صيف العام الماضى, وكنت أقود سيارة على الطريق السريع العابر (I95) والذى يمتد على طول الساحل الشرقى الأطلنطى للولايات المتحدة, من أقصى نقطة فى جنوب ولاية فلوريدا إلى أقصى نقطة فى ولاية فيرمونت شمالاً بإمتداد ثلاثة ألاف ميل أو يزيد, كان الوقت نهاراً والجو منعشاً على غير أيام صيف أمريكا الرطبة الذى يزيد من إحساسك بحرارة الجو, كنت أقود السيارة متجهاً جنوباً نحو مدينة واشنطن العاصمة وأنا إستمع وإستمتع لترنيمات المطرب المبدع عمر إحساس (دارفور بلدنا), وأتأمل فى الشارع العريض ذات الإتجاهين المنفصلين, كل إتجاه من أربع مسارات, ويفصل بينهما عازل عريض مكسو بالنجيلة الناعمة التى تُقص نظيفة بإستمرار حتى فى وسط الخلاء حيث لا يسكن الجن, والمسارين تكسوهما الأشجار الخضراء التى تزرع بإستمرار على جنباتها فيزيد النظر بهجةً وبهاء, وتظل إشارات المرور وألواح الإرشاد وأماكن الإستراحة (Rest Areas)  ومحطات الوقود والمطاعم والفنادق الصغيرة (Motels) تنتشر على طول الطريق, وبجانب المداخل والمخارج المدروسة بعناية وفى غاية التصميم الهندسى الرائع تلاحظ أعمدة الكهرباء التى تنير الأماكن والإلتفافات الحرجة حتى فى وسط ذلك الخلاء, كهرباء فى الخلاء أما عندنا فى السودان؟ ... ما علينا! والعمال الدائبون قد يقفلون جانباً من الطريق لإصلاحه أو تغيير أرضيته. ظللت أتأمل كل ذلك والسيارة تتهادى ساكنة مطمئنة لا "عترة" ولا حفرة, وسوف لن تشتكى لبوش, وفى أثناء ذلك أقف بعض الأحيان على حواجز لدفع رسوم عبور للطريق (Toll),  يدفعها الناس بإبتسامة ورضا ويقول الواحد منهم للفتاة أو الرجل من موظفى التحصيل: شكراً, لماذا؟ لأنَّك ستكون واثقاً من أنَّ مبلغ الدولارين أو حتى الخمسة دولارات التى تدفعها ستنعكس فى شكل إستمتاعك بالقيادة الهادئة الهانئة والخدمات المبذولة على ذلك الطريق الناعم, كل ضريبة تذهب لمكانها المحدد والقانون الصارم يقف بالمرصاد لمن يحاول التلاعب, دولة القانون! هو ذلك السر فى بناء الدول الحديثة, أما عندنا ... ما علينا! وفى تلك الأجواء مرَّ بخاطرى سيرة الأمير أبومديومة فتمثلت أحلام يقظته ولكن فى صورة مقلوبة, وطفقت متسائلاً أحدث نفسى فى صمت صارخ: لماذا لا تكون لنا طرق حديثة مثل هذه فى السودان؟ وما المانع؟ ولماذا يموت الناس كل عام بالمئات فى تلك الطرق البائسة والتى نسميها مجازاً بالعابرة؟ ولماذا ظلت دارفور بحجمها الواسع وسكانها الكثر وخيراتها الوفيرة منقطعة عن دولة السودان منذ أن خلق الله هذه الأرض ولا تربطها به طريق واحد مسفلت إلى هذه اللحظة؟ وهل يا ترى سيتمكن جيلنا هذا من رؤية ذلك الطريق الوهم قائماً وممتداً؟ الشيئ المحزن أنَّه كان من المفترض أن يكون أول طريق عابر على الإطلاق يتم رصفه فى السودان, لكنه للأسف سيكون "الطيش", أو قد لا يكون البتة! فى أمريكا هنا ندفع ال Toll فنجد ذلك الطريق الحلم, وفى دارفور إنتظر أهلونا حتى درجة اليأس ثمَّ قلبوا جراب تراثهم فإستخرجوا منها "النفير", نعم, نفير السكر المُر, من دم قلوبهم وعلى حساب مذاق ألسنة أطفالهم الأبرياء, وتبرعوا بها راضين متراضين ك Toll وفدية! فى أول مبادرة من نوعها فى العالم, لرصف ذلك الطريق, لكن وصفوهم فى النهاية بالنهابين واللصوص وقطاع الطرق, من هم غير اللصوص إذاً؟ أين هى الحكومة؟ وما معنى كلمة حكومة؟ وماذا يفعل أولئك المتلبسين المحنطين فى كراسيهم الصدئة فى تلك البقعة القذرة التى تسمى الخرطوم؟ لقد تمنى أحد أساتذتى القدامى أن يرى طريق الغرب سالكاً ثمَّ يغمض عينيه للموت ويمضى مستريحاً! يا لله, إلى هذا الحد؟

تلك كانت سيرة الأمير محمد أبو مدين كما أوردها المؤرخ نعوم شقير فى كتابه "جغرافية وتاريخ السودان" (دار الثقافة, بيروت, 1967م), لكنَّها وردت بصيغة مخالفة فيما يتعلق بحقيقة مغادرته لدارفور فى سيرته التى كتبها المؤرخ العسكرى الفرنسى الدكتور بيرون, نقلها عنه شفاهةً, وكتبها باللغة الفرنسية بحضور الشيخ محمد بن عمر التونسى, وأوردها كملحق نشره فى كتابه "رحلة إلى دارفور" Voyage au Darfour, pp. 370396, 1851)). وقد قام التونسى بترجمة ذلك الملحق إلى العربية وإضافته كملحق أيضاً فى كتابه القيم "تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان" (الدار المصرية للتأليف والترجمة, القاهرة, 1965م), والذى يعد أحد المصادر الرئيسية فى تاريخ دارفور, وقد قام بتحقيق ذلك الكتاب العالمان المصريان الدكتور خليل محمود عساكر والدكتور مصطفى محمد مسعد. وقد أورد بيرون فى روايته أنَّه والشيخ التونسى كانا يجالسان الأمير الساعات الطوال يستمعان إلى قصة حياته وليتعرفا على أحوال سلطنة دارفور, وقد ذكر الأمير لهما بأنَّه وأخوه الأصغر محمد المختار فرَّا من دارفور مخافة أخيهما الأكبر السلطان محمد الفضل الذى كان ينوى أن يستخلف أحد أبنائه على العرش بعده وسوف لن يتردد فى قتلهما بسبب ذلك, وبالرغم من وقوع أخوه فى أسر قوات السلطان أثناء مطاردتهم لهم ناحية كردفان إلاَّ أنَّه تمكن من الإفلات ومواصلة الهرب, وعندما وصل أطراف مدينة الأبيض أرسل إلى الحاكم المصرى على كردفان يخبره بأنَّه إبن السلطان عبدالرحمن الرشيد سلطان دارفور وأنَّه جاء إلى الأبيض يطلب الحماية والمأوى, فأرسل الحاكم المصرى على التو عدداً من الجنود لحراسته وإصطحابه إلى مدينة الأبيض حيث إستقبله إستقبالاً رسمياً وذلك بإطلاق المدافع تحية له. كان ذلك عام 1833م, وقد أرسل الحاكم المصرى على الفور رسالة إلى محمد على باشا يخبره بذلك فأمره الخديوى بإرساله إلى مصر فوصل إليها عام 1834م فإستقبله الخديوى إستقبالاً حافلاً وأنزله فى قصر مجاور لقصره وأجرى عليه من نعم الحياة ما لم يحلم به الأمير يوماً ثمَّ طلب منه البقاء إلى حين أن يطلبه. ظلَّ الأمير فى القاهرة مندهشاً لما يراه كل يوم من أشياء جديدة عليه وكأنَّه فى حلم, ولذلك فقد كان يطلب من حرسه ومرافقيه الخروج والتجول به فى أنحاء المدينة يسأل عن كل شيئ ويتأمل, ويهز رأسه فى أسف كأنَّه يقول: أين أهلى فى دارفور من كل هذا! إلاَّ أنَّه وبعد نحو ستة أشهر من وصوله طلبه الخديوى وأفهمه بضرورة العودة لكردفان لأنَّه ينوى فتح دارفور وتنصيبه سلطاناً على أهله هناك, حقيقةً ظلَّت مسألة فتح دارفور تراود ذهن الخديوى منذ إستيلائه على كردفان لكنَّه كان يخشى أن يتورط فيها مخافة من مقاومة قد لا تصمد أمامها قواته فيها, ثمَّ إنَّ أهلها قد لا يترددون فى الدفاع عن سلطنتهم خاصة وأنَّهم قد ألحقوا بجيوشه خسائر فادحة فى معركتى بارا وسودرى فى سبيل إنتزاع كردفان منهم, وإضافة لذلك يبدو أنَّ رسائل السلطان محمد الفضل إليه وما حملته من تهديد ووعيد قد أثارت الرعب فى قلبه وزادت من حذره, ثمَّ إنَّه بسبب قطع العلاقات بين الدولتين وطرد المماليك من دارفور لم يجد أى وسيلة كى يتعرف من خلالها على تقدير قوة السلطنة العسكرية, ولذلك فقد إستقرت خطته بعد فتح دارفور أن يولى أحد أبنائها من سلالة السلاطين حاكماً عليها ويكتفى بالتبعية الإسمية. تلك هى نفس السياسة التى إتبعها غردون لاحقاً وهو يواجه حصار القوات المهدية للخرطوم, فقد نصح إسماعيل باشا خديوى مصر آنذاك بعدم إخلاء السودان إلاَّ بعد ترتيب الأمور فيها, وإقترح عليه جعل الزبير باشا حاكماً عليها وتنصيب الأمير عبدالشكور حاكماً على أهله بدارفور, لكن القوات المهدية قضت عليه وعلى خطته قبل أن تبدأ إضافة إلى وفاة الأمير عبدالشكور قبل ذلك فى حلفا فى طريقه للخرطوم. وربما ظلت هذه الفكرة راسخة فى سياسات كل من كان يحلم بالإستيلاء على دارفور, وقد طالعنا فى مقال سابق كيف أنَّ الإنجليز لم يتدخلوا فى أمور سلطنة دارالمساليت أبداً عندما ضموها للسودان, وتركوا السلطان هناك وشأنه وإرتضوا بالتبعية الإسمية, بل إنَّ كبار السن من الأهالى من الذين عاصروا نهاية فترة حكم السلطان على دينار قد ذكروا بأنَّ القوات الإنجليزية الفاتحة كانت قد لا تفكر فى قتله أو حتى إزالة حكمه فيما لو إستسلم فى قصره بالفاشر, وهو شيئ لم ولن يفعله السلاطين من قبله مطلقاً, مقارنة بالحال مع المناطق الأخرى بالسودان الذين إما هرب زعماؤهم إلى غير رجعة أو إستسلموا للغازى الجديد وتفانوا فى خدمته, لكنَّ إعلان السلطان لثورته وتربصه بهم فى شعاب جبل مرة, القلاع التاريخية الحصينة لسلاطين الفور ومدافن سلاطينهم وأجدادهم, أجبرتهم لتعقبه والقضاء عليه مخافة من إستثارة الأهالى ضدهم وزعزعة سلطتهم الجديدة فى الإقليم, لكن نجدهم قد أبقوا على كل هياكل الإدارة الأهلية دون المساس بها أبداً, والتغيير الطفيف الذى حدث لاحقاً هو تغيير مقر "دمينقاوى" الفور من بلدة كاس إلى زانجى. ويمضي بيرون فى روايته عن الأمير أبومدين ويقول بأنَّه قد وافق أوامر الخديوى وسافر لكردفان وفى ذهنه أفكار كثيرة يحلم بتنفيذها قيد تنصيبه سلطاناً على دارفور, لكن تأزم الأمور بين محمد على والدول الأوربية, خاصة بسبب تجارة الرقيق, جعلته يؤجل التفكير فى ملف دارفور مرة أخرى, لكنَّه وعد الأمير خيراً وأوصاه بالصبر. وفى عام 1838م زار محمد على السودان وقام الأمير بمقابلته فأمره محمد على أن يعود إلى القاهرة ويكون فى إنتظاره عند عودته إليها, وأوصاه بأن ينتهز الفرصة ليتعلم المزيد عن مصر إذ أنَّ فترة الستة أشهر التى قضاها آنفاً بها لا تكفى لمعرفة الكثير. لقد كانت للخديوى نظرة صائبة فهو يهدف من سياساته ورفقه بالأمير "تمدينه" وتدريبه كحاكم معاصر يساعده فى توطيد سلطة الأتراك بدارفور إذا ما تمكن من إعتلاء عرش السلطنة,  وعند عودة محمد على إلى مصر قابله الأمير فقام بإكرامه وأصطحبه معه لقضاء فترة فى مدينة الأسكندرية, وأنزله فى قصر مجاور لقصره, وهنا إتيحت للأمير مشاهدة أشياء جديدة فقام بزيارة الحى الأفرنجى, وقصر رأس التين, والميناء والترسانة البحرية, كل تلك المعالم وغيرها من الحركة الدائبة وضوضاء المصانع أثارت لديه دهشة وإنبهاراً كبيرين, ولذلك كان عندما يتحدث لبيرون أو التونسى يبدو عليه أنَّه ينتظر تحقيق شيئ ما لكنه يشعر بالقلق بأنَّه قد لا يتمكن من ذلك. وعلى العموم عندما حان موسم الحج سمح له الخديوى أن يسافر إلى مكة بصحبة المحمل المصرى, وأعطاه جميع ما يحتاج إليه لقضاء ذلك, وخلالها شاهد الأمير مرة أخرى أشياء جديدة وعوالم أخرى, ووقف عند البيت الحرام ومنى وعرفات والمزدلفة يدعو الله أن يوفقه لما فيه خير له ولأهله بدارفور, ولما عاد إلى القاهرة نزل فى نفس القصر جوار قصر الخديوى بالقاهرة, وأخذ يتردد عليه فى الأسكندرية حيث صار الخديوى يقضى فيها فترات طويلة, وبعد مشاورات مع الخديوى بدأ الأمير فى تجهيز نفسه للمغادرة للسودان والسيطرة على عرش سلطنة الفور بعد فتح دارفور, خاصة وقد علم بوفاة أخيه السلطان محمد الفضل وتنصيب إبنه الغر محمد الحسين سلطاناً مكانه, وقد جهزه الخديوى تجهيزاً حسناً ووجه عامله بسنار بتجهيز جيش لفتح دارفور, وكان من رأيه أنَّ الأمير أبو مدين إذا إعتلى عرش السلطنة فسوف يتحقق لأهلها على يديه خير كثير, فهو فى سن النضج, إذ يبلغ من العمر أربعين عاماً, إضافة إلى أنَّ السنوات العشر التى قضاها متنقلاً ما بين السودان ومصر وزيارته للأراضى المقدسة قد زودته بنوع خاص من التربية والمعرفة, فضلاً عن الأفكار الكثيرة التى كان ينوى تطبيقها, وحتماً فسوف يساعده الخديوى فى ذلك. وقد ذكر بيرون أنَّ  الأمير كان على قدر كبير من الذكاء وقد قال له ذات مرة أنَّ العناية الألاهية هى التى قادته لمصر ليتعلم منها وليوسع مداركه فيها, وليرى مظاهر الحضارة الجديدة التى ينبغى له أن ينشرها بين أهل دارفور, ويمضى فيقول بأنَّ الأمير عندما يستمع لمثل ذلك الحديث كان الإهتمام يشع فى عينيه وأنَّه كان يدرك تماماً مغزى ذلك.

وتمضى رواية بيرون وتقول بأنَّ الأمير أبى مدين كان متلهفاً لمعرفة كل شيئ جديد بل ظلَّ فى أحد الفترات يلح على الخديوى إرساله إلى باريس لقضاء عام أو عامين حتى يستطيع أن يشهد بأم عينيه مظاهر الحضارة فى عرينها, ويتعلم منها كل ما يمكن مساعدته مستقبلاً فى تطبيقه بدارفور, ولذلك ظلَّ يسأل بيرون عن أنواع الحكومات فى أوروبا, وعن قوانين فرض الضرائب وجبايتها فى فرنسا, وعن تكوين الجيوش, وحقوق المواطنين, فضلاً عن أشياء أخرى ركَّز عليها كثيراً مثل التجارة والصناعة والزراعة والتربية والتعليم, ولذلك لا غرابة إن بدأ فعلاً فى تعلم اللغة الفرنسية, بمساعدة بيرون, وبالفعل إستطاع أن يوقع إسمه بالأحرف الفرنسية. وبعد إكمال تجهيزاته غادر إلى السودان عام 1843م محمولاً على أطياف أحلامه الزاهية بتعمير سلطنة دارفور على مستوى حكومات العالم الحديثة, ومزوداً بنصائح الخديوى وثقته فى حكمته, إلاَّ أنًّ تلك الأحلام تحطمت سريعاً بسبب فشل قائد حامية سنار فى تجهيز الجيش المطلوب وتمرد قوات الأرناؤوط الهمجيين الذين دفع بهم الخديوى للمشاركة فى حملة دارفور, فإقتتلوا فيما بينهم فى لحظات سكر ومات منهم المئات, ثمَّ فتك بهم الأمراض قبل أن يصلوا الخرطوم, فتمَّ إعادة من تبقى منهم للقاهرة لكنَّ أغلبهم فرَّ وإختفى, ونتيجة لذلك فقد أخذ الأمير ينتظر وينتظر دونما طائل, وإنهارت خططه تماماً بوفاة الخديوى محمد على, فطفق يتنقل فى أرجاء كردفان إلى أن داهمه المرض والحسرة وقضى عليه فى الأبيض. ولم يتمكن الأتراك من فتح دارفور إلاَّ بعد نيف وثلاثين سنة من تلك المحاولة على يد الزبير باشا عام 1874م, لكنَّهم, وكما توقع محمد على باشا قبلاً, لم يتمكنوا من السيطرة عليها, إذ بعد مصرع السلطان إبراهيم قرض فى معركة منواشى ثار أبوالخيرات مطالباً بإسترداد عرش السلطنة, ونتيجة لذلك لم يتمكن الأتراك من السيطرة إلاَّ على الفاشر ودارة (كانت حاضرة مناطق جنوب دارفور وتقع إلى جهة الشرق من مدينة نيالا الحالية لكنَّها إندثرت الآن), ولم تهدأ الأمور لهم فى خلال التسع سنوات التى قضوها هناك برغم زيارة غردون لها وإستعانته بسلاطين باشا النمساوى كمدير للمنطقة, لكن تمَّ القبض عليه بواسطة القوات المهدية عند إندلاع الثورة وتمَّ إرساله إلى أم درمان ليعيش فى حوزة الملازمين بحوش الخليفة.

لقد طالعت جانباً من قصة الأمير محمد أبو مدين فى السبعينات من القرن الماضى عندما نشرتها مجلة "الخرطوم" فى إحدى أعدادها, تلك المجلة الثقافية الأدبية الرائعة والتى لا أحسبها تصدر الآن بعد أن توقف كل إبداع ومبدع فى بلادنا, أقال الله عثرتها, وكنت خلالها فى المرحلة الثانوية فإنبهرت بهذه الشخصيه المثيرة للخيال, وقد حفرت تلك القصة بذاكرتى مكاناً مؤثراً مثلما يحدث لبعض الناس فى بداية مرحلة الشباب, والتى غالباً ما قد تؤثر فيهم وتغير مجرى حياتهم إلى الأبد. واليوم, وفيما يتعلق بدارفور, أجدنى أعيش بين الفينة والأخرى أحلام اليقظة مثلما كان يفعل ذلك الأمير قبل أكثر من قرن ونصف من الزمان, بل إننى لاحظت هذه الظاهرة عند الكثير من الشباب الصاعد وبعض أفراد النخبة المتعلمة من أبناء الإقليم, وقد ظللت فى الفترة الأخيرة أستلم رسائل إلكترونية بين الفينة والأخرى ذاخرة بالأحلام والإقتراحات بشأن تطوير دارفور, ولعمق بعضها وددت أن أشرككم فى قراءتها حتى تقفون على ما يفكر فيه هذا الجيل من أبناء الإقليم, ونبدأ بالأخ إبراهيم من السعودية, والذى أرسل لى عدة رسائل, تحمل الكثير من الإقتراحات الذكية بشأن أعادة تعمير دارفور والعمل على نهضتها, وسأُلخِّصْ جملة إقتراحاته تلك, بعد تنقيحها من جانبنا بالطبع, فى المقاطع التالية حيث يقول:   

إنَّ هناك عدد من الوسائل الهامة والفعالة التي يمكن إتباعها لتحقيق هدف تنمية دارفور أوجزها في الآتى:

1 تكوين مؤسسات إقتصادية قوية وفعَّالة:

يكون الغرض منه الأستثمار في مختلف الأنشطة الإقتصادية بالاقليم, والقيام بدورالبنوك المتخصصة فى مجال التمويلات الإستثمارية المختلفة مثل المجالات الزراعية والصناعية والإسكانية, وتعمل على خلق التوازن العادل بين المنتج والتاجر وذلك بالتحكم في قانون العرض والطلب لتوفي كل ذي حق حقه, ومن المؤسف أن نلاحظ أنَّ البنوك اليوم فى السودان لا تعمل لصالح المنتج ولا لصالح التاجر بل تعمل لصالح النخبة الحاكمة, وتحولت إلى أداة للثراء السريع لعصابات (النهب المصلَّح) في الخرطوم, حيث نجدهم يخططون بإنتظام فى كل عام بتحديد السعر الأدني للمنتجات الزراعية القابلة للتصدير, وكلها من منتجات غرب السودان مثل الصمغ العربي والفول السوداني والسمسم والكركدي وحب البطيخ.. ألخ  ويتم تحديد هذه الأسعار حسب مصلحة الجهة المصدرة دون إعتبار للتكلفة التي يتحملها المنتج المسكين, ودون إعتبار للكمية المنتجة وهي أهم العوامل لتحديد سعر البيع, بينما نجد السلع المنتجة فى أماكن أخرى بالسودان تباع بأسعارعالية جدا بالرغم من أنَّ معظمها سلع للإستهلاك المحلي وليست للتصدير, ولا تعود للبلد بالعملة الصعبة مثل التمور والفول المصرى والبصل والترمس والحمص, ولعلنا نلاحظ أنَّ الشاحنات تجوب مدن الغرب محملة بهذه السلع حيث يبيعون شوال البلح مثلاً بحد أدني بثمانين ألف جنيه لكنهم فى نفس الوقت يشترون صفيحة زيت الفول أو السمسم بثلاثون ألف, وشوال الصمغ  الذي يزن قنطارين ونصف بخمسة وثلاثون ألف جنيه سوداني علما بأنَّ طن الصمغ يباع عالميا ب 6000 دولار أمريكي, ولك أن تتصور حجم الفتات الذي يحصل عليه المزارع! هذه مجرد أمثلة للمظالم التى تحدث للمنتجين في الغرب .

2 التركيز على إنشاء الشركات المحدودة:

تتمثل هذه الخطوة في إنشاء شركات ذات مسؤولية محدودة, وليست شركات مساهمة, ذلك لأن الشركات المساهمة يتم تداول أسهمها في الأسواق المالية مما يسهل علي أية مجموعة ثريَّة أن تشتري العدد الكافي من الأسهم للشركة وتسيطرعليها وتتحكم فى تحديد أهدافها وسياساتها.

3 التركيز فى الإستثمار على القطاعين الزراعى والحيوانى:

لكبر حجم الإنتاج الزراعي والحيوانى بالاقليم وإشتغال قطاع كبير من المواطنين في هذا المجال, ولمردوده السريع وأهميته عالميا ومحليا نري أن يتم الإستثمار بداية في هذا المجال, ومن ناحية الجدوى الإقتصادية فلا يوجد تخوف من ناحية جودة  ووفرة الإنتاج أيًا كان نوعه, لكن الخوف يتمثل في مشكلتين أساسيتين:  

المشكلة الأولى تكمن فى المشاكل التي يمكن أن تثيرها عصابات "النهب المصلَّح" في الخرطوم لأنَّ مثل هذه المشاريع تهدد مصلحتهم الشخصية, وهذه المشكلة يمكن التغلب عليها بمعرفة ودراسة قوانين الإستثمار والضرائب والرسوم بالسودان, والحمد لله لدينا الكثير من الكفاءات القانونية المؤهلة التي يمكن أن تتصدي لأسلحتهم وحيلهم وإبطالها.

أما المشكلة الثانية فتتمثل فى عدم الإستقرار الأمني ولعل من أكبر الأخطاء العسكرية أن تكون ساحة المعركة في أرضك ولنا في الجنوب خير مثال,  والذي يحدث في دارفور الآن من حرق وتدمير وقتل في كل مكان وإنتشار السلاح بين الناس هو نتيجة لأن المعركة في أرض الإقليم, وعدم الإستقرار هذا وعدم الأمن ينعكس مباشرةً سلباً علي كل مرافق الحياة بالمنطقة, بما فيها أهم مرفق وهو الاقتصاد, حيث لا توجد عمالة كما أن رأس المال دائما يهرب من مناطق النزاعات والحروب, لكن, والحمد لله, بدأنا نشاهد بشارات الحلول فى الأفق القريب, خاصة وأنَّ التدخل الأجنبى سيساعد الإقليم فى أخذ نصيبه العادل من الثروة والتنمية حيث لم يتم ذلك منذ إستقلال السودان ولن يتم إذا لم يرفع الناس السلاح.

4 تشجيع وجذب المستثمرين:

ولأن دارفور تمتاز بالجو المعتدل وتعدد المناخ والتربة الخصبة البكر فإنَّ ذلك يمثل أيضاً وسيلة جذب قوية للمستثمرين في القطاعين الزراعي والحيوانى, كما يمكن لأبناء الإقليم المنتشرين في غرب أوروبا الدخول في شراكات مع جمعيات زراعية أو أفراد أو هيئات في مختلف الدول هناك للإستثمار الزراعي والحيوانى بالإقليم, والإستفادة من ظل الإنفتاح الإسثماري الذي يشهده السودان حالياً, أما الفائدة المؤكدة من الشريك الأوروبي فتتمثل في الإستفادة من التقنية الزراعية المتطورة لديهم وسهولة بيع المنتجات في دول الإتحاد الإوروبي, وربما الحصول علي أعفاء جمركي للواردات ولو جزئي لوجود الشريك الأوروبي. ويمكن تنظيم رحلات تعريفية للمستثمرين للإقليم للإطلاع علي إمكانات الإقليم بعد أن تقدم لهم دراسات الجدوى

لإقتصادية اللازمة. وعموما يمكن أن يكون الإستثمار في المجال الزراعي فى إنتاج الفاكهة والخضر والحبوب بغرض التصدير, وكذلك الإستثمار في التصنيع الزراعي الخفيف مثل تصنيع مركزات العصير لجميع أنواع الفاكهة: مانجو, جوافة, برتقال,  فراوله, قريب, بالإضافة إلى الطماطم, كما ويمكن أيضا إدخال صناعة تجميد الفاكهة والخضار بكل أنواعها لتلبية حاجات أسواق أوروبا والخليج وسوف يكون لها مردود عالي لعدم إحتوائها علي الأسمدة و المخصبات والتعديل الوراثي مما يجعل الإقبال عليها كبير مع إرتفاع سعرها عن مثيلاتها من منتجات الدول الاخري. أما فى الجانب الحيوانى فيمكن إستخدام التلقيح الصناعى لتطوير الأبقار إلى أنواع لحومة وأخرى لبونة, وتطوير أنواع الضأن والإبل والماعز فى الشمال بيحث يؤدى ذلك إلى توليد أصناف محسنة تدر مبالغ إضافية من الدخول فى الأسواق العالمية.

5 إعداد دراسات جدوى مشجعة للإستثمار:

إنَّ الوسيلة الإقتصادية المبنية علي إستغلال وتنمية الموراد الكثيرة المتاحة بالإقليم هي الأسرع والأفيد, ونعتقد أن المطلوب حالياً هو أن تكون هناك دراسات جدوى إقتصادية للمشاريع الممكنة في كافة أنحاء االإقليم, وإضافة لما ذكرناه من مشاريع أعلاه يمكن إعداد دراسات جدوى بتركيز خاص على المجالات الآتية:

1/ صناعة الزيوت النباتية ومشتقاتها.

2/  صناعة الجلود.

3/ صناعة الأسمنت.

4/  صناعة الغزل والنسيج.

5/ إدخال تقنية الري بالتنقيط لأشجار الفاكهة مع إدخال مزروعات جديدة مثل الزيتون وأنواع العنب

المختلفة, والتفاح اللبنانى بكل أنواعه, والتمور الجيدة التى مثل العراقية والسعودية ذات الجودة العالمية.

6/ إدخال تقنية الري المحورى للتحكم في زراعة المحاصيل الحقلية مثل البصل والبطاطس.

7/ إنشاء شركات تعمل في مجال توفير المياه النقية من خلال حفر الآبار وإنشاء السدود وتعميق الحفائر للأفراد والقرى والمدن

8/إنشاء شركات ومعارض ومواسم للتسويق تروج لمنتجات المنطقة داخل وخارج السودان.

9/ تطوير الأداء السياسى لخدمة مطالب الإقليم:

أما فيما يتعلق بالجانب السياسي  فنجد أن الإقليم يذخر بالكفاءات السياسية الفذة, لكن للأسف لم يتم توظيف هذه الطاقات في خدمة مواطن دارفور, فنجد أن النائب البرلمانى أوالوزير يضع إمكانياته وجهوده فى خدمة حزبه أو القضايا القومية وينسى أهله وحقوقهم بالرغم أنَّه من المفترض أن يكون وكيلهم فى ذلك, ولذلك فإنَّ هؤلاء الأخوة, خاصة البرلمانيين منهم لو أنَّهم ترشحوا مستقلين ببرامج واضحة لخدمة المواطن لفاز كل في منطقته ولتصرف بحرية أكثر لإنتزاع ما يستطيع إنتزاعه, ولو ترشح كل نواب الإقليم مستقلين لفازوا بالتزكية وسط أهلهم ولكوَّنوا مجموعة برلمانية لا يمكن تجاوزها من أى حزب, ويمكن أن يتطور الوضع تبعاً لذلك إلى مستوى تشكيل حزب ذو نفوذ قوى يستطيع أن يؤثر في القرارات الهامة خاصة فيما يتعلق بالإقليم ومستقبله فى إطار القومية السودانية.

الكلام كثير والمجال ضيق ونأسف للإطالة, ونحن علي أتم إستعداد للتعاون فى كل ما يفيد دارفور, وهناك الكثير من الأخوة ينتظرون من يحركهم ويفجر طاقاتهم, وبصراحة يا دكتور نحن خجلانين من أ نفسنا عندما ننظر إلي الوراء ونتفكر فيمن أسسوا هذا المجد والنسيج الإجتماعي المتماسك, وحافظوا عليه لقرون عدة رغم أميتهم ومحدودية إمكاناتهم حتى أوصلوه لنا سليماً معافى, وكان سلاحهم هو تقوى الله ونقاء السريرة وصدق النوايا وإباء النفوس, فكيف لا نستطيع فقط المحافطة عليه رغم ما تيسر لنا من فرص تعليم وإمكانات لم تكن متاحة من قبل, والله نسأل أن يوفقنا لرد جمائل أهلنا الغبش  ويهئ لنا السبيل إلى ذلك.

وبدورنا نشكر الأخ إبراهيم على هذه الأطروحة العميقة والتجرد الأصيل والتى بلا شك سوف ترى النور إذا وضع أبناء الإقليم أعينهم بتركيز نحو ذلك. إنَّ الأحلام تتحول إلى أفكار إذا ما صادف الإلتزام القوى, والدول العظيمة ما قامت إلاَّ على أفكار عظيمة, فإعمال الفكر وتفعيل العقل يؤدى دائماً إلى التفوق والنجاح, وتلك من سنن الله فى خلقه, فيكتسب كل مخلوق حسب جهده ومبادرات عقله. لقد سادت بريطانيا العالم لقرون طويلة حتى أطلق عليها بريطانيا العظمى والإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس, لكن وتبعاً لسنن النشؤ والتطور أخذت تنحدر فى الجانب الآخر من قمة الجبل التى كانت متربعةً عليها, لكنَّ أولئك القوم إستفادوا من إرث التاريخ وآمنوا بضرورة ألاَّ يتوقف عقولهم عن الإنتاج فتحولت بريطانيا بفضل ذلك إلى أكبر مستودع لإنتاج الأفكار فى عالم اليوم, ولذلك فعندما يندفع الأمريكان اليوم فى مغامراتهم الطائشة فإنَّهم غالباً ما يتحركون بفعل الأفكار التى توضع وتبرمج فى لندن, وهم بالفعل لا يجدون أفضل من الإنجليز لتقديم الأفكار لهم بل ومساعدتهم فى الخروج من الورطات التى يقعون فيها, وما أكثرها. وكمثال على السياسة البريطانية فى مجال الأفكار فقد تبنى الأمير فيليب, زوج الملكة إليزابث ملكة بريطانيا, مشروعاً لتنمية المواهب العلمية والتكنلوجية للشباب منذ ستينات القرن الماضى, وتم تخصيص جوائز قيمة للأعمال الفائزة نهاية كل عام, ومن شروط ذلك المشروع أنَّ الأعمال المقدمة يجب أن تتميز بقابليتها للتصنيع, وكانت النتيجة مذهلة إذ سرعان ما إستجاب له آلاف الشباب والمعاهد العلمية المتخصصة فى تطوير التكنلوجيا فظهرت آلاف المشاريع فى مدة وجيزة, ويقال بأنَّ الصناعة البريطانية قد إزدهرت نتيجة لذلك, وأمتدت درجة الإهتمام بها فى أمريكا ومحيطها التكنلوجى الأوسع والأعمق بحيث أصبحت بريطانيا اليوم أكبر دولة فى العالم تملك إستثمارات ضخمة تدور فى صلب الإقتصاد الأمريكى.

إضافة إلى "أحلام" الأخ إبراهيم أعلاه فقد وردتنى رسائل مشابهة من آخرين أيضاً, من بينهم الأخ أبوالقاسم بالسعودية, مقترحاً ما أسماه ب "منتدى أًصدقاء دارفور", يكون شبيهاً ببنك للأفكار, شعاره وهدفه إعداد وخلق ثورة إجتماعيةاقتصاديةتنموية خلال العشرة أعوام القادمة لأحداث التغير المثالي التام في مجتمع دارفور حتى تستطيع الأجيال القادمة العيش بسلام ورفاهية, ويتساءل:

هل يمكن ذلك يا أبناء دارفور؟

هل يمكن تدمير ودفن شماعة الأخطاء التاريخية إلى الأبد والبداية من مواردنا وعلاقتنا الدولية؟

هل يوجد لدينا إرادة؟

هل يمكن أن يحدث التغير في مجتمعاتنا حتى يحس الفرد فينا بالسمو والكرامة؟

هل نحن رجال لذلك ؟

كل منا يتذكر كيف كانت المراحل التعليمية, وكيف كان الطعام والشرابالمصاريفوكيف عانى الوالد و الوالدة الأخوةالأخوات كيف كانت الزراعة الرعيوجلب الماءالحطباعداد الطعامالسفر للدراسة ....الخ .

المعاناة, المعاناة, المعاناة, ....... و للأسف الآن أسوأ!

للعزة و الكرامة أركان وقواعد!

قام الأخوة البسطاء اللذين عانوا وسئموا ويئسوا بدورهم, بالركن الأساس الخطير, لإحداث التغيير الكبير بإذن الله  للأحسن, وبقي الركن الآخر, هل يمكن أن نساهم فيه جميعا بشراسه في الإعداد لها بالفكر والعقل والقلم؟ وتجهيزه تحت وعاء جامع يقاتل التيارات السياسية المستوطنة الكاذبة والحالية في دارفور والعمل من أجل بسط البرامج التى نتفق عليها؟

 تطوير حوض البقاره للإنتاج الحيواني والزراعي بالمستوى الدولي للصادر من الموقع!

 تطوير مناطق إنتاج الجمال والضأن وتصدير الحي والمذبوح من الموقع!

 تطوير حزام السافنا لزيادة وتحسين رقعة إنتاج الحبوب الزيتية وإقامة صناعات تحويلية!

 زيادة رقعة إنتاج الصمغ العربي وتصنيعها محليا!

 الدخول في شراكه مع شركات النفط العالمية لإكتشاف وإنتاج البترول!

 تطوير القدرات والإستعانة بشركات التعدين العالمية لتعدين النحاس والحديد واليورانيوم!

 إقامة السدود والخزانات على كامل مصادر المياه في دارفور: أزومباريكجاهورنيالاكتموادي صالحوادو الكو ....ألخ!

 تطوير مشاريع جبل مره كبكابية ومناطق غرب دارفور الزراعية لتصدير الفاكهةالخضرواتالتباكو والمنتجات الاخرى!

 حصول الفقراء على الأرض والائتمان والبنية الأساسية والمدخلات الزراعيةَ!

 ربط الإنتاج في الإقليم من الخضرالفاكهةاللحومالزيوت بالأسواق الدولية ذات الثقافة الغذائية الحديثة (من الأرض إلى الفم) ماكروبيوتك!

 الإكتفاء الذاتي من إنتاج السكر بالإقليم غرب دارفور ووادي صالح!

 الإكتفاء الذاتي من إنتاج القمح بالإقليم: شمال دارفورمليطالكومهالميدوب (الري من إمتداد حوض باره, حوض أم كدادة, حوض ساق النعام, حوض وادى هور, الحوض النوبى أساس النهر الصناعى العظيم بليبيا)!

 ربط الإقليم بالطرق بكل المدن ومناطق الإنتاج!

 إنشاء محطات توليد الكهرباء الضخمة التى تمد كل المدن بالكهرباء 24 ساعة فى اليوم!

 بناء المطارات للصادر الفاشرالجنينةنيالاالضعينجبل مرهشمال دارفورشرق دارفورجنوب دارفورغرب دارفور!

 إعادة كتابة التاريخ وجمع التراث والبحث في العادات والتقاليد وكشف الآثار وربطها بمناهج التعليم!

 تغيير وإعداد مناهج تعليميه تتماشى مع التطور العالمي مع توفيرالخدمات الإجتماعية (الإستثمار البشري)!  ربط الإقليم بالطرق مع دول الجوار وكذلك الإقليم الجنوبيكردفانأم درماندرب الاربعينطريق ليبيا!

 فصل وإدارة تجارة الحدود مع دول الجوار بواسطة الإقليم!

 توحيد الإقليم إلى إقليم واحد فقط هو إقليم دارفور والرجوع إلى التقسيمات الإدارية 1956م!

 إنشاء جيش إقليمي قوي تحت إدارة سلطات الإقليم للتصدي بقوة للمشاكل المحلية!

 إنشاء جهاز أمن يحترم تقاليد وعادات وكرامة أبناء الإقليم ويوظف لخدمة أهداف ومصالح الإقليم الداخلية ومصالحها الإقتصادية!

 إقامة قنصليات بدارفور حسب المصلحة: السعوديةمصرليبياتشادأفريقيا الوسطىالمانياهولندافرنساإنجلتراإيطالياالنرويجاليابانأمريكاالهندجنوب افريقيانيجيريا!

 إقامة مركز دارفور للحوار, أهدافها:

 توحيد القبائل.

 نشر ثقافة السلم.

 تطوير المناهج وربطها بالتراث.

 تطوير أداء المرأة.

 تطوير أداء الشباب.

 تطوير التراث والفنون والموسيقى والمسرح.

 إقامة مراكزالبحث العلمي:

 مركز البحوث الإقتصادية وتطويرالإنتاج للصادر.

 مركز للبحوث الزراعية والمراعي.

 مركز التاريخ والتراث والفنون وتطوير المجتمع.

 مركز الثروة الحيوانية وتطوير الإنتاج.

 تطوير الرياضة وظهور الشباب بقوة في المنافسات الدولية.

إنشاء الله يا رب!!

"أحلام/أفكار" الأمير محمد أبو مدين تنزلت عليه قبل أكثر من مائة وستين عاماً, نترحم عليه ونسأل الله أن ينزله نعيم جناته, ونقول له إنَّ ما كان يدور بخلده قد صار يتنزل اليوم على أفئدة أكثر من عشرة مليون إبن من أهل دارفور المنتشرين فى ربوع السودان وحول العالم, وسوف يتحقق الكثير منها بإذن الله. والملاحظ فى أطروحات الأخوين إبراهيم وأبوالقاسم أعلاه التطابق الكامل فى أجزاء عديدة منهما, وكأنَّهما كانا يقرآن أفكار بعضهما البعض, بالرغم من إختلاف الزمان والمكان بين رسائلهما لى, ولعلَّ فى ذلك ما يؤكد توافق عقول أبناء الإقليم فى الهَّم الدارفورى الشيئ الذى يدعو للتفاؤل بقرب إنبلاج فجر جديد برغم ما حدث ويحدث الآن, ولنتذكر أن اليابان وأوروبا قد دمرتا تماماً فى الحرب العالمية الثانية فى نهاية ثلاثينات وبداية أربعينات القرن الماضى, لكن بالعزيمة والفكر والتخطيط صارتا تقودان العالم اليوم إقتصادياً وتكنلوجياً, وقد صدق نابليون الذى أطلق عبارة "لا مستحيل تحت الشمس", وبدورنا نقول لا مستحيل فى تعمير "دارفور بلدنا" والإنطلاق بها إلى الدرجات العلا فى دروب التنمية والتطور, ونزيد على ذلك عبارة  (Never again) كما تتردد فى ثقافة اليهود المعاصرة.