[يُحظر النشر قبل يوم 8 يونيو/حزيران 2004] وثيقة عامة

مـنـظمة الـعـفو الـدولـية

السودان
دارفور: الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب والمحاكم الخاصة
مذكرة مقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق السودانية




المحتويات

1

مقدمة………………………………………………………………….

3

خلفية………………………………………………………………….

6

حالة الطوارئ والنظام القضائي الجائر في دارفور…………………………………....

8

تعسف القضاء: دارفور قبل فبراير/شباط 2003 .......………………………………

9

دارفور: الاعتقالات قبل إبريل/نيسان 2003………...……………………………

11

احتجاز سجناء رأي………………………………………………………..

11

سجناء الرأي الذين قُبض عليهم في دارفور…..…………………………….

12

سجناء الرأي الذين قُبض عليهم خارج دارفور……………..……………….

14

اعتقال أعضاء في حزب المؤتمر الشعبي…………………...………………………

14

التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة...………………………………………

16

ظروف الاحتجاز القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة……...……………………………

16

حالات "الاختفاء"…………………………………………………………

18

الخلاصة………………………………………………………………..

19

التوصيات………………………………………………………………

وثيقة عامة [يُحظر النشر قبل يوم 8 يونيو/حزيران 2004]

منظـمة العـفو الدولـية

السودان
دارفور: الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب والمحاكم الخاصة
مذكرة مقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق السودانية

 

رقم الوثيقة: AFR 54/058/2004

تركز

ملخص

8 يونيو/حزيران 2004

هذه المذكرة، المقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق السودانية بخصوص دارفور، على قصور النظام القانوني في دارفور.

ففي عام 2001، وفي مواجهة الأزمة الأمنية المتصاعدة، بما في ذلك الهجمات المتبادلة فيما بين الجماعات العرقية، وتصاعد جرائم قطع الطرق، اختارت الحكومة سبيل القمع التعسفي. وحدت السلطات الحكومية من حقوق الأفراد بإنشاء محاكم خاصة أجرت محاكمات ذات إجراءات مقتضبة دون منح المتهمين كامل حقوقهم في الدفاع.

وفي الوقت نفسه، كان من شأن استخدام المادتين 31 و33 من "قانون قوات الأمن الوطني"، اللتين تجيزان لقوات الأمن احتجاز أشخاص بمعزل عن العالم الخارجي بدون تهمة، كما تمنح لأفراد القوات حصانة من المحاكمة، أن يهمش نظام العدالة المحدود نفسه.

وأدى التقاعس عن معالجة التوترات العرقية، من خلال استخدام الشرطة لحماية السكان وإجراء محاكمات عادلة أمام المحاكم لمقاضاة المجرمين، إلى تآكل حكم القانون وخلق مناخ من الظلم. كما تم تجاهل الآليات التقليدية للمصالحة بين الجماعات العرقية، والتي كان بوسعها أن تحد من توتر الوضع.

ومنذ إبريل/نيسان 2003، لم تُنفذ حملات قبض أو اعتقال أخرى لأفراد قبائل الرعاة الرُحل ممن اتُهموا بمهاجمة القرى وقتل سكانها من القبائل المستقرة. إلا إن حكومة السودان أتاحت لميليشيات "الجنجويد"، المؤلفة من قبائل الرُحل، أن تمارس أعمال القتل والاغتصاب والنهب وهي بمنأى عن العقاب والمساءلة. وفي الوقت نفسه، قُبض على عشرات من أبناء القبائل المستقرة، ولم تقتصر حملات القبض على المشتبه في أنهم يؤيدون "جيش تحرير السودان" أو "حركة العدالة والمساواة"، بل امتدت لتشمل كثيرين ممن استهدفوا، فيما يبدو، لأنهم من زعماء المجتمعات المحلية والصحفيين والمحامين ودعاة حقوق الإنسان الذين يُعتقد أنهم ينتقدون الحكومة.

وقد حُرمت الغالبية العظمى ممن اعتُقلوا في دارفور، وكذلك من اعتُقلوا خارج دارفور بسبب الصراع هناك، من الحد الأدنى من الحقوق. وتعتقل أجهزة الأمن الأشخاص وتضعهم رهن الاحتجاز دون أن تخضع للمحاسبة. ونادراً ما تُوجه إلى المعتقلين تهم جنائية، وفي كثير من الأحيان لا يُبلغون بأية تهم منسوبة لهم. ولا يُسمح للمعتقلين عادة بالاتصال بالمحامين والأهل، أو المثول أمام أحد القضاة، أو الطعن في قانونية اعتقالهم، فضلاً عن احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي.

ويوفر احتجاز المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي ظروفاً مواتية قد تتيح وقوع أعمال التعذيب، وتتواتر الأنباء عن التعذيب في دارفور. وكثيراً ما يُحتجز المقبوض عليهم بسبب الصراع في معسكرات تابعة للجيش في مناطق مغلقة أو في مراكز احتجاز تابعة لقوات الأمن أو المخابرات، حيث تُعد ممارسة التعذيب أمراً مألوفاً في كثير من الأحيان، كما أن ظروف الاحتجاز بالغة السوء.

وتعرض المذكرة أيضاً حالات "الاختفاء" التي وردت أنباء بشأنها، ومعظمها لمقاتلين من "جيش تحرير السودان" تردد أنهم "اختفوا" بعد أسرهم، وتنفي الحكومة أنها تحتجزهم، وما زال مصيرهم في طي المجهول.

ومن بين التوصيات المقدمة للحكومة إطلاق سراح جميع سجناء الرأي والإفراج عن السجناء السياسيين الآخرين ما لم تتم إحالتهم للمحاكمة على وجه السرعة في محاكمات عادلة أمام محاكم جنائية عادية على أساس تهم جنائية معترف بها. كما تدعو منظمة العفو الدولية إلى السماح للمعتقلين على وجه السرعة بالاتصال بالعالم الخارجي؛ وتسجيل جميع المعتقلين مع عدم احتجازهم إلا في أماكن احتجاز معترف بها؛ والتحقيق في جميع ادعاءات التعذيب وتقديم الجناة إلى ساحة العدالة. وتهيب المذكرة بالحكومة السودانية أن توسع نطاق صلاحيات لجنة تقصي الحقائق، التي شُكلت في مايو/أيار، بما يتيح لها النظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعلق بالاحتجاز والتعذيب واستخدام المحاكم الخاصة.

كان هذا ملخصاً لوثيقة بعنوان "السودان: دارفور: الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب والمحاكم الخاصة – مذكرة مقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق السودانية" (رقم الوثيقة: AFR 54/058/2004)، أصدرتها منظمة العفو الدولية في يونيو/حزيران 2004. وعلى من يرغب في الاستزادة أو القيام بتحرك ما في هذا الصدد الرجوع إلى الوثيقة الكاملة. ويمكن الاطلاع على عدد كبير من المواد التي أصدرتها المنظمة عن هذا الموضوع وغيره من الموضوعات على موقع المنظمة، وعنوانه: www.amnesty-arabic.org. كما يمكن تلقي البيانات الصحفية الصادرة عن المنظمة بالبريد الإلكتروني، وذلك بالكتابة إلى:

http://www.amnesty.org/email/email_updates.html

السودان

دارفور: الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب والمحاكم الخاصة

مذكرة مقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق السودانية

مقدمة

تنص المعايير الدولية لحقوق الإنسان(1) على ضمانات لجميع الأشخاص الذين يُقبض عليهم أو يُحتجزون أو يُسجنون. ومن بين هذا الضمانات حق المعتقل في إبلاغه بأسباب القبض عليه، وحقه في الاتصال بالمحامين والأهل وفي الحصول على مساعدات طبية، وحقه في المثول على وجه السرعة أمام قاض أو غيره من المسؤولين القضائيين، وحقه في الطعن في قانونية اعتقاله، وحقه في أن يلقى معاملة إنسانية.

وتفتقر الغالبية العظمى ممن اعتُقلوا في دارفور، وكذلك من اعتُقلوا خارج دارفور لأسباب تتعلق بالصراع الدائر هناك، إلى الحد الأدنى من هذه الحقوق. فقوات الأمن تلقي القبض على أشخاص وتحتجزهم، دون أن تخضع للمحاسبة. ونادراً ما تُوجه إلى المعتقلين أية تهم جنائية، بل ولا يُبلغون في كثير من الأحيان بأية تهم منسوبة إليهم. ولا يُسمح للمعتقلين عادةً بالاتصال بالمحامين أو بالأهل، أو بالمثول أمام أحد القضاة، كما لا يُسمح لهم بالطعن في قانونية اعتقالهم، فضلاً عن احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي. ومن شأن احتجاز المعتقلين دون السماح لهم بالاتصال بالعالم الخارجي أن يوفر ظروفاً قد تتيح وقوع أعمال التعذيب. وتتواتر الأنباء من دارفور عن أعمال التعذيب، وخاصة على أيدي قوات الأمن الوطني وجهاز المخابرات والمخابرات العسكرية.

وقد أعدت منظمة العفو الدولية هذه المذكرة عن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب والمحاكمات الجائرة لتقديمها إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق برئاسة دفع الله الحاج يوسف، رئيس القضاء السابق، والتي شُكلت لتقصي "الادعاءات عن انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي جماعات مسلحة في دارفور"، وذلك على أمل أن تبادر الحكومة باتخاذ إجراءات لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان الواردة تفصيلاً في هذه المذكرة، وكذلك أن توسع لجنة تقصي الحقائق من نطاق تحقيقاتها لتشمل انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي السلطات الحكومية.

وقد أشار تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي قُدم إلى مجلس الأمن الدولي في 7 مايو/أيار 2004، إلى أن "ثمة حاجة إلى لجنة تحقيق دولية، وذلك بالنظر إلى خطورة الادعاءات عن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وتقاعس النظام القانوني الوطني عن معالجة المشكلة."(2) وقد كان تقاعس النظام القانوني في دارفور عن ضمان العدالة خلال الأعوام الماضية أحد العوامل المهمة في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان. فمنذ عام 2003، على وجه الخصوص، تقاعس النظام القضائي عن أداء واجبه في تقديم مرتكبي الهجمات على المدنيين إلى ساحة العدالة. وتسلِّم منظمة العفو الدولية بأن أية حكومة تتعرض لتهديدات من جماعة مسلحة لها الحق في اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه التهديدات، إلا إن هذه الإجراءات يجب أن تتماشى مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد كان من بين الذين قُبض عليهم دعاةٌ لحقوق الإنسان ومحامون وصحفيون وآخرون اعتُقلوا لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير. وعادة ما يُستخدم الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي وكذلك التعذيب بصورة دؤوبة، وتتسم المحاكمات داخل دارفور بأنها مقتضبة الإجراءات وجائرة.

وتقتصر هذه المذكرة على مناقشة بواعث قلق منظمة العفو الدولية بخصوص تطبيق العدالة والاحتجاز والتعذيب و"الاختفاء" فيما يتعلق بمن قُبض عليهم بسبب الصراع الدائر في دارفور. ولا تتناول المذكرة بواعث القلق الأخرى الخطيرة بخصوص دارفور لدى منظمة العفو الدولية، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، قيام الطائرات الحكومية بقصف المدنيين بصورة متعمدة ودون تمييز؛ وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الميليشيات التي تحظى بدعم الحكومة وتعمل بالتنسيق مع الجيش السوداني، بما في ذلك قتل المدنيين دون وجه حق، وحرق القرى ونهبها، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء؛ بالإضافة إلى الاغتصاب؛ وعمليات الاختطاف؛ والتشريد القسري.(3) ولدى منظمة العفو الدولية بواعث قلق أخرى خطيرة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق أخرى من السودان، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة؛ والعقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة، بما في ذلك عقوبة الإعدام؛ وقتل مدنيين على أيدي ميليشيات حكومية؛ والقيود التي تحد من الحق في حرية التعبير.

وتدرك منظمة العفو الدولية أن الجماعتين السياسيتين المسلحتين، وهما "جيش تحرير السودان" و"حركة العدالة والمساواة"، قد أقدمتا أيضاً على احتجاز أشخاص رهن الاعتقال. كما وردت أنباء عن التعذيب على أيدي أفراد "حركة العدالة والمساواة"، ولاسيما تعذيب مجموعة من المعتقلين تردد أنهم كُبلوا بالسلاسل وتعرضوا للضرب في سبتمبر/أيلول 2003، وتعرض اثنان منهم لوضع خليط من الفلفل الحار والنفط ومادة حمضية في أفواههم عنوةً، حسبما زُعم. إلا إن بواعث القلق هذه، والتي سبق طرحها علناً وعرضها على الجماعتين المسلحتين المعنيتين، لا تدخل في نطاق هذه المذكرة المقدمة إلى حكومة السودان وإلى لجنة تقصي الحقائق.(4)

وبتقديم هذه المذكرة، تدعو منظمة العفو الدولية حكومة السودان إلى أن تضمن توافق نظام العدالة فيها مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدق عليها السودان، وذلك بالإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع الذين اعتُقلوا لمجرد تعبيرهم عن معتقداتهم بصورة سلمية. ويجب على السلطات السودانية أن تكفل إحالة جميع المعتقلين الآخرين للمحاكمة على وجه السرعة، استناداً إلى تهم جنائية معترف بها، وأمام محاكم جنائية عادية وفقاً للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، على أن يستفيد المعتقلون من مبدأ افتراض البراءة وجميع حقوق الدفاع. كما تهيب المنظمة بالحكومة أن تصدر تصريحاً علنياً قوياً مفاده أن التعذيب أمر لا يمكن قبوله على الإطلاق، وأن تأمر بإجراء تحقيقات وافية في جميع حالات التعذيب التي وردت أنباء بشأنها. ويجب أن يُقدم مرتكبو التعذيب إلى ساحة العدالة وأن يحصل ضحاياهم على تعويضات. وينبغي التحقيق في حالات "الاختفاء" ومعاقبة مرتكبيها، أما الذين "اختفوا" ولا يزالون في السجون فينبغي إطلاق سراحهم ما لم تتم إحالتهم لمحاكمة عادلة على وجه السرعة بناءً على تهم جنائية معترف بها. ويجب إلغاء الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لدى أجهزة الأمن والمخابرات، على أن يُحتجز جميع المعتقلين في ظروف طيبة داخل مراكز اعتقال عادية تخضع لإشراف وزارة العدل. ويجب أن تخضع جميع مراكز الاعتقال في دارفور للتفتيش من جانب وزارة العدل واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي يناير/كانون الثاني 2003، وخلال مناقشات مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التابع للحكومة السودانية، أوصت منظمة العفو الدولية بتشكيل لجنة تحقيق لبحث العوامل الكامنة وراء تدهور الوضع في دارفور، وللتحقيق في الانتهاكات واقتراح آليات تكفل تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى ساحة العدالة. وفي 8 مايو/أيار 2004، وبعد مضي أشهر من انتهاكات حقوق الإنسان التي أدت إلى دمار معظم مناطق دارفور وتشريد ما يزيد عن مليون شخص من سكان المناطق الريفية، أصدر الرئيس الفريق الركن عمر حسن البشير المرسوم الرئاسي رقم 97، وبموجبه تشكلت لجنة لتقصي الحقائق برئاسة دفع الله الحاج يوسف، للتحقيق في "الادعاءات عن انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي جماعات مسلحة في ولايات دارفور". وتهيب منظمة العفو الدولية بالرئيس البشير أن يوسع صلاحيات لجنة تقصي الحقائق بحيث يصبح واضحاً أن عملها يشمل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي السلطات الحكومية. ويجب أن تتمتع اللجنة بصلاحيات تتيح لها حماية الشهود، وأن تصدر تقارير علنية عن النتائج والتوصيات التي توصلت إليها. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات السودانية إلى السماح للجنة بزيارة جميع مراكز الاعتقال والاتصال بجميع المعتقلين الذين قُبض عليهم بسبب الصراع.

خلفية

لم ينتبه العالم إلى الأزمة الإنسانية وأزمة حقوق الإنسان في دارفور إلا في 18 مارس/آذار 2004، عندما صرح منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، قائلاً: "هذه أكبر أزمة إنسانية في العالم، ولا أدري لماذا لا يبذل العالم مزيداً من الجهود بشأنها." وفي 7 إبريل/نيسان، وبمناسبة بمرور عشر سنوات على مذابح الإبادة الجماعية في رواندا، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أنه سيرسل وفداً على مستوى عال إلى دارفور من أجل "التوصل إلى فهم أكمل لطبيعة الأزمة ومداها، والسعي إلى إيجاد سبل أفضل للوصول إلى من هم في حاجة للمساعدة والحماية." وقامت لجنة لتقصي الحقائق، من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بزيارة تشاد في الفترة من 5 إلى 15 إبريل/نيسان، وزيارة السودان في الفترة من 20 إبريل/نيسان إلى 3 مايو/أيار. وقد نُشر تقرير اللجنة في 7 مايو/أيار 2004، وأشار إلى وجود "حالة من الرعب" في دارفور ناجمة عن الهجمات على المدنيين "التي تستند في معظمها إلى أسباب عرقية"، بما في ذلك "القتل، والاغتصاب، والسلب"، وتدمير الممتلكات والتشريد القسري على أيدي الميليشيات التي تحظى بدعم الحكومة، والتي عُرف أن الحكومة كثيراً ما دعمتها بطائرات من طراز "أنتونوف" وطائرات مروحية كانت تلقي قنابل. وقال التقرير إن كثيراً من هذه الهجمات "قد تشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الاثنين معاً."(5)

وبعد فبراير/شباط 2003، ازدادت حدة الصراع المستمر بين جماعات الرعاة الرُحل والجماعات المستقرة في دارفور، عندما شنت جماعة مسلحة، تطلق على نفسها اسم "جيش تحرير السودان"، هجمات على قوات الشرطة والجيش احتجاجاً على تهميش دارفور، وتقاعس الحكومة عن حماية الجماعات الزراعية الأساسية في دارفور.

إلا إن ثمة بوادر تبعث على القلق كانت واضحة على مدى سنوات عديدة. ففي يناير/كانون الثاني 2003، قام وفد من منظمة العفو الدولية، وهو أول وفد يُسمح له بدخول السودان على مدى سنوات عديدة، بزيارة مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، وأجرى محادثات مع حاكم الولاية آنذاك ومع كثير من المسؤولين الحكوميين، وبينهم قادة شرطة وقضاة ووكلاء نيابة، بالإضافة إلى محامين وقرويين كانوا من ضحايا الهجمات. وتحدث أبناء الجماعات الريفية عن تعرضهم لعملية "إبادة جماعية" وعن تقاعس الحكومة عن حمايتهم عندما شنت جماعات مسلحة من الرعاة هجمات على القرى وعمليات سلب للممتلكات وقتل للقرويين. وفي المقابل، ذكر مسؤولون من الحكومة والشرطة أن بعض أفراد الشرطة قُتلوا أيضاً في غمار ما اعتبروه مشكلة إقليمية تتعلق بالتنافس على الموارد الشحيحة. وكان كثير من أعمال القتل على أيدي قطاع طرق أو على سبيل الانتقام. وقد أصدرت منظمة العفو الدولية بيانين علنيين أولهما في فبراير/شباط 2003، بعد أولى هجمات "جيش تحرير السودان"، والثاني في إبريل/نيسان 2003، دعت فيهما إلى استخدام آليات للمصالحة وتشكيل لجنة تحقيق لبحث الأسباب المعقدة لتدهور وضع حقوق الإنسان في دارفور وتقديم توصيات لحل الأزمة.

إلا إن هذه الدعوة قُوبلت بالتجاهل من الحكومة، التي كانت قد قررت بحلول مارس/آذار 2003 أن ترد باستخدام القوة. وقد تزايدت الهجمات وحملات الاعتقال بشكل كبير في أعقاب هجوم شنه "جيش تحرير السودان" على مطار الفاشر، في 25 إبريل/نيسان 2003، وأسفر عن مصرع نحو 70 من أفراد الجيش السوداني وتدمير عدة طائرات، حسبما ورد. وقد أطلقت الحكومة العنان على ما يبدو لميليشيات "الجنجويد"(6) لمهاجمة القرى وقتل المدنيين(7) وإلقاء القبض على عشرات من زعماء قبائل "المساليت" و"الفور" و"الزغاوة" وغيرها من الجماعات الزراعية المستقرة في المنطقة.

وفي مايو/أيار 2003، بعثت منظمة العفو الدولية بمذكرة إلى حكومة السودان، عرضت فيها بواعث قلقها بخصوص قتل المدنيين في هجمات وعمليات قصف دون تمييز في دارفور، وكذلك التشريد القسري والاحتجاز التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي. وفي يوليو/تموز، نُشرت المذكرة كتقرير. وفيما يتعلق بدارفور، خلص التقرير إلى إن "حكومة السودان سعت إلى حل الصراعات التي تكمن أسبابها العميقة في مشاكل التمييز والعدالة، وذلك بإصدار الأوامر بارتكاب أعمال تمثل انتهاكات لحقوق الإنسان أو بالتواطؤ على مثل هذه الأعمال. وما لم تؤخذ بعين الاعتبار الحقوق الإنسانية لجميع السكان في السودان، فلن يكون بالإمكان إقامة سلام عادل".(8)

وبحلول سبتمبر/أيلول 2003، كانت الميليشيات المسلحة الموالية للحكومة قد هاجمت آلاف القرى في دارفور، وشُرد مئات الألوف من ديارهم إلى أماكن أخرى داخل البلاد أو اتجهوا إلى تشاد بحثاً عن ملجأ لهم. وبوساطة من تشاد، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة و"جيش تحرير السودان، في أبيشيه في سبتمبر/أيلول 2003، ولكنه لم يلبث أن انهار في غضون شهرين. وبعد زيارة قام بها مندوبون من منظمة العفو الدولية إلى تشاد في نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت المنظمة تقريراً بعنوان: "عدد كبير من الأشخاص يُقتلون بلا سبب"، وخلصت فيه إلى أن "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يسردها هذا التقرير لا يجوز أن تظل موضع تجاهل بعد الآن، كما أنه لا يمكن تبريرها أو عزوها إلى سياق الصراع المسلح". وطالب التقرير حكومة السودان بأن "تقر علناً بنطاق أزمة حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في دارفور، وأن تتخذ خطوات على وجه السرعة لإنهائها."

ومما يوضح نطاق الهجمات أنه لا تكاد توجد حالياً قرية واحدة مأهولة بالسكان أو خالية من الدمار في معظم أنحاء دارفور. ففي إبريل/نيسان 2004، قام مندوب من منظمة "هيومن رايتس ووتش" (مراقبة حقوق الإنسان) بمسح لمنطقة مساحتها 60 كيلومتراً مربعاً ووجد أن هذه المنطقة، التي كانت يوماً مزروعة وكثيفة السكان، قد أصبحت مهجورة تماماً.(9) وفي نفس الشهر، أشارت بعثة تقصي الحقائق والتقييم السريع المؤلفة من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة، بعد زيارتها لبلدة كيلك في جنوب دارفور، إلى أن:

"قرى الفور الثلاث والعشرين في وحدة شطايا الإدارية قد أُخليت تماماً من سكانها، ونُهبت وأُحرقت عن آخرها (وقد لاحظ الفريق عدداً من هذه المواقع أثناء جولته بالسيارة في المنطقة على مدى يومين). وفي الوقت نفسه، ظلت المستوطنات العربية الواقعة إلى جانب هذه المواقع المحطمة مأهولة بالسكان وتمارس نشاطها ولم يصبها ضرر. وفي بعض المواقع، كانت المسافة بين قرية الفور المدمرة وقرية العرب لا تزيد عن 500 متر."

وبالرغم من أن الطائرات العسكرية والمروحية السودانية قصفت القرى، فقد نجم القدر الأكبر من الدمار عن الهجمات التي شنتها ميليشيات "الجنجويد" التي تدعمها الحكومة. وفي بادئ الأمر، بدا أنها تحظى بتشجيع الحكومة. ولكن بحلول مطلع عام 2004، لم يعد هناك شك يُذكر في أنها تتلقى الدعم والتمويل والتسليح من الحكومة. فقد كان أفراد "الجنجويد" يهاجمون القرى ويحرقون البيوت، ويغتصبون ويختطفون النساء، ويسلبون الممتلكات والمواشي، وهم يرتدون الزي العسكري الحكومي وينطلقون من معسكرات تابعة للجيش، وكان بعضها معسكرات سابقة لقوات الدفاع الشعبي، كما أنهم يحصلون على رواتب حكومية.

حالة الطوارئ والنظام القضائي الجائر في دارفور

في عام 2001، وفي مواجهة الأزمة الأمنية المتصاعدة، بما في ذلك الهجمات المتبادلة فيما بين الجماعات العرقية، وتصاعد جرائم قطع الطرق، اختارت الحكومة سبيل القمع التعسفي والحد من الضمانات التي يتمتع بها الأفراد أمام المحاكم. وكان من شأن التقاعس عن مواجهة التوترات، عن طريق استخدام الشرطة لحماية السكان وإجراء محاكمات عادلة أمام المحاكم لمقاضاة المجرمين، أن يؤدي إلى تآكل حكم القانون وأن يخلق مناخاً من الظلم. كما تجاهلت هذه السياسة القمعية الآليات التقليدية للمصالحة بين الجماعات العرقية، والتي كان بوسعها أن تحد من توتر الوضع.

وقد شُكلت محاكم خاصة في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور بموجب مراسيم منفصلة في عام 2001، وذلك في أعقاب إعلان حالة الطوارئ في المنطقة. ولا تزال المحاكم الخاصة تعمل في شمال وغرب دارفور، بينما حلت محاكم جنائية متخصصة محل المحاكم الخاصة في جنوب دارفور في إبريل/نيسان 2003. وكانت جميع هذه المراسيم متشابهة إلى حد كبير.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 14 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على عدد من ضمانات المحاكمة العادلة، ومن بينها حق المتهم في نيل محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية؛ والحق في افتراض البراءة؛ والحق في إبلاغه فوراً وبالتفصيل بطبيعة التهم الموجهة إليه؛ والحق في الحصول على ما يكفي من الوقت والتسهيلات لإعداد دفاعه؛ والحق في الاتصال بمحام من اختياره؛ والحق في عدم إكراهه على الشهادة ضد نفسه؛ والحق في أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء ومناقشة شهود النفي؛ والحق في إعادة النظر في الحكم الصادر ضده أمام محكمة أعلى. إلا إن معظم هذه الحقوق لم تتوفر للذين حُوكموا أمام المحاكم الخاصة في دارفور.

وإذا كان "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" قد نص على جواز تعليق بعض الحقوق في أوقات الطوارئ العامة "التي تتهدد حياة الأمة"، فإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي مؤلفة من خبراء وتتولى رصد تطبيق العهد، قد أكدت أنه لا يجوز الانتقاص من بعض الحقوق الأساسية المتعلقة بالمحاكمة العادلة التي نصت عليها المادة 14. ولا يتضمن "الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب أية مواد تتعلق بحالات الطوارئ، ومن ثم فهو لا يجيز الانتقاص من الحقوق التي نص عليها.

ويترأس المحاكم الخاصة قاض مدني وقاضيان عسكريان، ولا يحتاج القضاة العسكريون إلى أية مؤهلات. وينص مرسوم إنشاء محاكم خاصة في الفاشر (المرسوم 21 لعام 2001 الصادر عن والي الولاية) في المادة 5 على أن:

"ج) دليل بصمات الأصابع كاف [للإدانة]، ولا حاجة لأدلة أخرى مؤيدة.

د) تقبل المحكمة باعتراف المتهم وتعتبره دليلاً إذا كانت مقتنعة بهذا الاعتراف.

هـ) إذا سحب المتهم اعترافه، تأخذ المحكمة الاعتراف بعين الاعتبار كدليل ضد المتهم، ولا يحق للمتهم سحب اعترافه."

ولم ينص المرسوم بأية حال على عدم جواز الاستناد إلى الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب.

وتشمل الولاية القضائية للمحاكم الخاصة في دارفور مجموعة كبيرة من الجرائم، من بينها السطو المسلح والحرابة (قطع الطريق)؛ وحيازة الأسلحة بدون ترخيص؛ والجرائم المنصوص عليها في المواد من 50 إلى 57 من القانون الجنائي (الجرائم المرتكبة ضد الدولة)؛ والجرائم المتعلقة بالنظام العام؛ و"أي شيء آخر يعتبره الوالي أو رئيس القضاء جرماً" (المادة 4). وتنص المادة 5 (ز) من المرسوم رقم 21 على أنه: "لا يحق للمحامين المثول أمام المحاكم نيابةً عن المتهمين. ويمكن لأحد أصدقاء المتهم أن يمثل بدلاً من ذلك لمساعدته أمام المحكمة". وفي حالة أحكام السجن لمدد تزيد عن خمس سنوات، يجوز استئناف الحكم في غضون سبعة أيام أمام محكمة استئناف دارفور، والتي يكون حكمها نهائياً إلا في القضايا التي تتعلق ببتر الأطراف أو عقوبة الإعدام، حيث يجوز استئنافها أمام المحكمة العليا في الخرطوم والمحكمة الدستورية، وقد ألغت هذه المحكمة بعض الأحكام أحياناً لعدم كفاية الأدلة.

وتشوب المحاكمات أمام المحاكم الخاصة في شمال وغرب دارفور مثالب شديدة. فوجود أفراد من قوات الأمن بين القضاة يدعو إلى التشكك في استقلال الهيئة القضائية. وتتسم المحاكمات أمام هذه المحاكم بأنها مقتضبة الإجراءات، وقد صدرت أحكام بالإعدام بعد محاكمات لم تستغرق أكثر من ساعة. ولا تتوفر للمحامين إلا قلة محدودة للغاية وغير كافية من حقوق الدفاع، حيث لا يُسمح للمحامين بالحضور إلا بوصفهم "أصدقاء"، ولا يُتاح لهم مقابلة المتهمين إلا لفترات قصيرة، وأحياناً ما يكون ذلك قبل المحاكمة مباشرة ودون إعطائهم الوقت الكافي لدراسة ملفات القضايا. وكثيراً ما ترد أنباء عن التعذيب، وتُقبل الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب بوصفها أدلة.(10) وفي كثير من الأحيان يكون الافتراض هو أن المتهم مذنب وليس بريئاً، بالرغم من أن مبدأ افتراض البراءة هو أحد شروط المحاكمة العادلة.

وقد استخدم بعض المحامين إمكان المثول أمام المحاكم الخاصة بوصفهم "أصدقاء للمتهمين" للترافع نيابةً عن المتهمين، ولكن هذا الوضع لا يمنحهم نفس الحقوق الممنوحة لمحامي الدفاع في المحاكم العادية. فليس لهم نفس الحق في الاطلاع على ملف القضية أو تقديم مرافعة نهائية (وإن كانت المحاكم الخاصة تمنحهم هذا الحق أحياناً). وليس من حق المحامي بوصفه "صديقاً" أن يستجوب شهود الإثبات أو أن يستدعي شهود النفي.

وفي إبريل/نيسان 2003، حلت محاكم جنائية متخصصة محل المحاكم الخاصة في جنوب دارفور. ويترأس المحكمة الجنائية المتخصصة قاض مدني فقط. وبالرغم من أن هذه المحاكم تقبل التمثيل القانوني للمتهمين خلال جلسات المحاكمة، وهو ما يُعد أحد أوجه التحسن، فإنها لا تجيز استئناف الأحكام، فيما عدا أحكام معينة من قبيل أحكام الإعدام وبتر الأطراف والسجن مدى الحياة، حيث يمكن تقديم استئناف بشأنها في غضون سبعة أيام إلى رئيس القضاء في ولاية جنوب دارفور، ويُعتبر حكمه نهائياً، وهو ما يعني أنه لا يجوز إعادة النظر في هذه الأحكام أمام المحكمة العليا أو المحكمة الدستورية في السودان، مما يفرض مزيداً من القيود على فرص الاستئناف أمام الأشخاص الذين تصدر ضدهم أحكام بالإعدام أو بتر الأطراف من المحاكم الجنائية المتخصصة. وتتسم إجراءات المحاكم الجنائية المتخصصة بأنها مقتضبة أيضاً، كما أن القواعد الخاصة بالاعتداد بالاعترافات كأدلة مماثلة للقواعد المعمول بها في المحاكم الخاصة. ويدعي المحامون بأنه لا يُسمح لهم بزيارة المتهمين في أماكن الاحتجاز قبل جلسات المحاكمة، رغم السماح لهم بتمثيلهم أمام المحاكم الجنائية المتخصصة. ولا يُتاح للمحامين عادةً سوى فرص محدودة لاستجواب شهود الإثبات واستدعاء شهود النفي. ولا تزال المحاكم الخاصة في ولايتي شمال وغرب دارفور تعمل بموجب المراسيم الصادرة في عام 2001.

تعسف القضاء: دارفور قبل فبراير/شباط 2003

كثيراً ما لجأت حكومة السودان، خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2003، إلى حملات الاعتقال العشوائية رداً على تزايد شكاوى السكان المقيمين من الهجمات وتزايد حوادث قطع الطرق في دارفور. وكان أفراد الجماعات العرقية "العربية" و"الإفريقية" على حد سواء ضحايا هذا التعسف في تطبيق العدالة. ففي إبريل/نيسان 2002، قُبض على 136 من أفراد جماعة "الرزيقات" العرقية (العربية) في جنوب دارفور، ووُجهت إليهم تهمة الحرابة بسبب هجوم على أفراد جماعة "المعالية"، وهي جماعة عرقية عربية أخرى. وبعد محاكمة جائرة أمام محكمة خاصة، حيث لم يُسمح للمحامين بالدفاع إلا بوصفهم "أصدقاء" للمتهمين، كما رفض القاضي النظر في الادعاءات القائلة بأن الاعترافات انتُزعت تحت التعذيب، حُكم بالإعدام على 88 متهماً، وبينهم طفلان. ورغم مرور عامين، فلا تزال القضية منظورة أمام الاستئناف، ولا يزال المتهمون في السجن على ذمة حكم الإعدام.

وحتى مطلع عام 2003، كانت تُتخذ إجراءات ضد من يُزعم أنهم شنوا هجمات على القرى من أفراد جماعات الرعاة الرُحل. ولكن في بعض الأحيان كان الزعماء النافذين ذوي البطش من كلتا القبيلتين المتنازعتين هم الذين يُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي بدون تهمة أو محاكمة.

· ففي 28 إبريل/نيسان 2002، على سبيل المثال، شنت جماعة مسلحة من العرب هجوماً (قالت الحكومة إنه انتقام لمقتل أحد العرب) على قرية شوبا بالقرب من كبكابيَّة، وقُتل خلاله 17 شخصاً، وجُرح 16 آخرين. وفي أعقاب ذلك، قُبض على 10 من زعماء قرية شوبا، واحتُجز معظمهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أربعة أشهر في سجن شالا في الفاشر، ثم في سجن بور سودان، ثم وُضعوا رهن الإقامة الجبرية في واد مدني. وفي الوقت نفسه، قُبض على عدد من زعماء القبائل العربية واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لبضعة أشهر، وكان من بينهم موسى هلال، وهو ناظر (شيخ) قبيلة "المحاميد"، ويُقال إنه أحد قادة "الجنجويد"، والشيخ عبد الباقي عبد الرحمن عبد الباقي، من قبيلة "الزيلات".
وفي حالات أخرى، كان المقبوض عليهم يُحاكمون في محاكمات بلغت من الجور حداً يثير شكوكاً دائمة حول إدانتهم.

· فعلى سبيل المثال، قُبض على 38 من قبائل عرقية مختلفة، في يناير/كانون الثاني 2003، واتُهموا بقتل 35 شخصاً من قرية سنقتا يوم 31 يناير/كانون الثاني 2002. وقد احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة شهرين، ثم مثلوا أمام إحدى المحاكم الجنائية المتخصصة في نيالا في محاكمة فادحة الجور، حيث تولى الدفاع عنهم ثلاثة محامين فقط، ولم يُسمح لكل منهم إلا بتوجيه أربعة أسئلة. وكانت الأدلة المستقاة من شهود الإثبات غير متسقة، ومع ذلك صدر حكم بالإعدام على 26 متهماً، من بينهم صبي يبلغ من العمر 15 عاماً، يوم 26 إبريل/نيسان 2003. وادعى المحامون أن الجناة الحقيقيين ينحدرون من قبيلة عرقية أخرى، وأن أولئك المعتقلين قد قبُض عليهم بشكل تعسفي. وقد قضت محكمة استئناف خاصة بتخفيف الحكم الصادر على الصبي إلى الجلد 25 جلدة، أما الاستئناف الخاص بباقي المحكوم عليهم بالإعدام فلا يزال منظوراً أمام المحكمة العليا.
دارفور: الاعتقالات قبل إبريل/نيسان 2003

منذ القرار الذي اتخذته السلطات بحلول إبريل/نيسان 2003 باستخدام القمع بدلاً من المصالحة لإخماد تمرد "جيش تحرير السودان"، ومن بعده "حركة العدالة والمساواة"، لم تُنفذ أية حملات قبض أو اعتقال أخرى لمن اتُهموا بمهاجمة القرى وقتل سكانها من القبائل المستقرة (وإن استمرت محاكمات من كانوا رهن الاحتجاز آنذاك). وقد أُطلق العنان، على ما يبدو، لميليشيات "الجنجويد"، المؤلفة من الرعاة الرُحل، لمهاجمة القرى وحرق البيوت وقتل المدنيين.

وفي الوقت نفسه، قُبض على العشرات، ومعظمهم في بلدات في شتى أنحاء دارفور. وكان معظم المقبوض عليهم، فيما يبدو، من المشتبه في أن لهم صلات مع "جيش تحرير السودان" أو "حركة العدالة والمساواة"، واعتُقل كثيرون منهم بشكل تعسفي، على ما يبدو. وقد قُبض على كثيرين منهم، فيما يبدو، لمجرد أنهم ينتمون إلى نفس القبيلة العرقية، أو لأن لهم أقارب من أعضاء "جيش تحرير السودان" أو "حركة العدالة والمساواة"، بينما قُبض على آخرين لأنهم يتمتعون بمكانة عالية في مجتمعاتهم، على ما يبدو. والملاحظ في عمليات القبض التي وقعت عام 2003 أن المعتقلين لم يُحالوا إلى أية سلطة قضائية إلا فيما ندر. وقد احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدد وصلت إلى خمسة أشهر في ظروف سيئة، وكانت في كثير من الأحيان بمثابة نوع من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما تواترت أنباء عن التعذيب.

وتجيز المادة 31 من "قانون قوات الأمن الوطني" احتجاز المشتبه فيهم لمدة تصل إلى تسعة أشهر بدون تهمة. وتقضي المادة 32 بأن من حق المعتقل إبلاغ أسرته والاتصال بها في حالة واحدة وهي "إذا كان ذلك لا يضر بسير التحقيق". وتنص المادة نفسها على أنه لا يجوز إيذاء المعتقل "بدنياً أو معنوياً"، كما تقضي بضرورة أن يقوم أحد وكلاء النيابة بالتفتيش على أماكن الاحتجاز. إلا إن هذه الضمانات المحدودة كانت تُقابل بالتجاهل دائماً. وتنص المادة 33 على منح أفراد الأمن الوطني حصانة من المقاضاة.

وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر/أيلول 2003 على تبادل الأسرى، وأفرج الجيش والجماعات المسلحة عن عدد كبير من السجناء. ومع ذلك، استمرت حملات القبض على نطاق أضيق بُعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 9 سبتمبر/أيلول.

وجُدد وقف إطلاق النار، ولكنه انهار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2003. وقُبض على عشرات الأشخاص خلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، وكان بينهم كثيرون ممن سبق اعتقالهم في مرات سابقة. ودائماً ما كان المعتقلون يُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، وكان المعتاد ألا يمثلوا أمام أحد القضاة، وكثيراً ما تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة.

وبعد ضغوط قوية من المجتمع الدولي، تم التوقيع على اتفاق آخر لوقف إطلاق النار في 8 إبريل/نيسان 2004. ونصت المادة الخامسة من الاتفاق على أنه "قررت الأطراف إطلاق سراح كل أسرى الحرب وكل الأشخاص المعتقلين بسبب النزاع المسلح بدارفور". وقد أُطلق سراح عدد من المعتقلين، ولكن كثيرين ممن قُبض عليهم بسبب الصراع ظلوا رهن الاحتجاز. وبالإضافة إلى ذلك، نُقل عدد من المعتقلين الذين قُبض عليهم بسبب الصراع، ومن بينهم محامون، إلى أماكن أخرى في السودان، ونُقل بعضهم إلى سجن دبك سيء السمعة، والذي ينتشر فيه الناموس، ويقع شمالي الخرطوم (وقد نُقلوا إلى سجون أخرى في مطلع مايو/أيار 2004 إثر احتجاجات قوية). كما احتُجز معتقلون آخرون ممن قُبض عليهم بسبب الصراع، بما في ذلك أعضاء في حزب "المؤتمر الشعبي"،(11) في سجن كوبر، وسجن واد مدني وغيرهما من مراكز الاحتجاز في السودان. وكان كثير من أولئك المعتقلين في عداد سجناء الرأي، حيث احتُجزوا دونما سبب سوى تعبيرهم عن معتقداتهم بصورة سلمية. ومن بينهم الدكتور مضوي إبراهيم أحمد، وهو مدير منظمة لحقوق الإنسان لها فروع في دارفور، ولا يزال رهن الإقامة الجبرية في منزله. وبعد أن أضرب عن الطعام مطالباً بتقديمه للمحاكمة، أصبح الوحيد الذي يمثل للمحاكمة من بين أكثر من 100 معتقل، حيث وُجهت إليه تهم غامضة قد يُعاقب عليها بالإعدام.

وكان من شأن "قانون قوات الأمن الوطني" أن يشجع قوات الأمن على تجاهل المحاكم، وهذا ما حدث في دارفور على مدار العام الماضي فيما يتعلق بالاعتقالات السياسية. ومن بين القضايا القليلة التي علمت منظمة العفو الدولية أنها أُحيلت إلى المحاكم منذ إبريل/نيسان 2003 قضية الطيب علي أحمد، الذي حُوكم مع اثنين آخرين أمام المحكمة الخاصة في الفاشر، وحُكم عليه بالإعدام في 27 يناير/كانون الثاني 2004، لإدانته بتهم ضد الدولة، من بينها "إثارة الحرب ضد الدولة" (المادة 51 من القانون الجنائي). وكان قد قُبض عليه مع المتهمين الآخرين نوفمبر/تشرين الثاني 2003، وُوجهت إليهم تهم تتعلق بهجوم شنه "جيش تحرير السودان" على مطار الفاشر في إبريل/نيسان 2003 (بالرغم من أن أولئك الذين قُبض عليهم من قبل فيما يتعلق بالهجوم كان قد أُطلق سراحهم بموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر/أيلول 2003). وخلال احتجاز الطيب على أحمد، تعرض للتعذيب على أيدي قوات الأمن، حسبما زُعم، وذلك بالاعتداء عليه بالضرب بالعصي والمواسير والخراطيم والأيدي، كما حُرم من تلقي أي علاج طبي. وخلال المحاكمة، لم يكن هناك أي تمثيل قانوني للمتهمين، وأُدينوا استناداً إلى اعترافاتهم المنتزعة تحت وطأة التعذيب، حسبما ورد. ولم يُبلغ المحامون بالقضية إلا بمحض الصدفة، ومن ثم قدموا طلباً للاستئناف في اليوم الأخير من المهلة القانونية لتقديم الاستئناف، وهي سبعة أيام، ولا يزال هذا الاستئناف منظوراً.




احتجاز سجناء رأي
لم تكتف الحكومة السودانية بحظر النقاش الحر حول دارفور في الصحف، بل فرضت أيضاً قيوداً مشددة على نشر المعلومات المتعلقة بها، وحظرت نشر أية تعليقات تنتقد سياسات الحكومة بخصوص دارفور. وكان من بين المستهدفين صحفيون وعاملون في حقل الإعلام، ومحامون، ونشطاء لحقوق الإنسان من دارفور.
وقد قُبض على بعض هؤلاء المعتقلين، وبينهم كثير من المرموقين، داخل دارفور ثم نُقلوا إلى سجون في مناطق أخرى من السودان. كما قُبض على كثيرين من المنحدرين من دارفور في الخرطوم وأم درمان وغيرهما من المدن.
سجناء الرأي الذين قُبض عليهم في دارفور
كان كثير ممن قُبض عليهم في دارفور في عداد سجناء الرأي، أو من يُحتمل أن يكونوا سجناء رأي، حيث قُبض عليهم بسبب سعيهم للحصول على معلومات أو نشر معلومات عن الوضع في دارفور، أو حتى لمجرد سعيهم لمناقشة الأزمة والبحث عن سبل للضغط على الحكومة. ومنذ بداية الصراع، فُرضت رقابة مشددة على الكتابة عن دارفور. كما عانى كثير من سجناء الرأي الذين قُبض علهم في دارفور من التعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة. ومن هؤلاء المعتقلين:
· يوسف البشير موسى، وهو مراسل صحيفة "الصحافة"، ومقرها الخرطوم، في نيالا، وقُبض عليه في 3 مايو/أيار 2003، واقتيد إلى مقر الأمن في نيالا، حيث تعرض للضرب بالأخشاب على قدميه وذراعيه وإليتيه وصدره. وقد طلب أحد المحامين مقابلته فور القبض عليه، ولكن لم يُسمح له بزيارته إلا في اليوم الرابع. وقد فحصه طبيب في نفس اليوم وسجل الآثار التي خلفها الضرب. وقد وُجهت إليه تهمة نشر معلومات مغلوطة ضد الدولة، وذلك بموجب المادة 26 من قانون الطوارئ لعام 1998، ثم أُطلق سراحه بدون تهمة يوم 24 مايو/أيار. وقد رفع دعوى للمطالبة بتعويض عما تعرض له من تعذيب، ولكن لم ينظر في الدعوى حتى الآن.
· إبراهيم يوسف إسحاق، ويبلغ من العمر 40 عاماً، وهو محام مرموق وعضو سابق في المجلس التشريعي لولاية جنوب دارفور، وقد قُبض عليه يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 مع صحفيين، هما قاسم طه، من صحيفة "الصحافة، ومهند حسين، من صحيفة "أخبار اليوم. وكان إبراهيم يوسف إسحاق، وهو من أهالي سنقتا، قد اصطحب الصحفيين لالتقاط صور وفيلم للبيوت والممتلكات التي أُحرقت في اثنتين من قرى قبائل "الفور"، عقب هجمات شنتها ميليشيات "الجنجويد". وقد أُفرج عن الثلاثة بعد استجوابهم على مدى 11 ساعة، ولكن طُلب من المحامي إبراهيم يوسف إسحاق أن يعود في اليوم التالي، وعندئذ وُضع رهن الاحتجاز، ورُفضت طلبات المحامين لزيارته، وظل في الحجز حتى مارس/آذار. أما قاسم طه ومهند حسين، فأُمرا بالحضور يومياً إلى مقر الأمن لإثبات وجودهما طيلة ما يقرب من شهر.(12)
· عثمان آدم عبد المولى، ويبلغ من العمر 39 عاماً، وهو من نشطاء حقوق الإنسان ويعمل لدى "المنظمة السودانية للتنمية الاجتماعية" (انظر ما يلي)، واعتقلته قوات الأمن الوطني والمخابرات يوم 5 مايو/أيار 2004، بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان والمجال الإنساني مع "المنظمة السودانية للتنمية الاجتماعية"، على ما يبدو. وكان عثمان مسافراً من نيالا إلى زلينجي، عندما أُنزل من الحافلة التي كان يستقلها عند إحدى نقاط التفتيش على بعد حوالي خمسة كيلومترات من زلينجي. وقد احتُجز في مقر قوات الأمن في زلينجي، وأُطلق سراحه يوم 18 مايو/أيار، بعد 13 يوماً أمضاها في عزلة عن العالم الخارجي دون أن يخضع للاستجواب أو يعرف حتى السبب في اعتقاله. ولدى عودته إلى نيالا، لم يُمنح تصريحاً لمغادرة المدينة مرة أخرى لمزاولة عمله.
· وفي 9 مايو/أيار، قُبض على اثنين من عُمد القرى من أحد شوارع كبكابيَّة، وهما نور الدين محمد عبد الرحيم، عمدة شوبا، وبحر الدين عبد الله رفعة، عمدة جبل سي. وكان الاثنان قد حضرا اجتماعاً في البلدة دعت إليه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وحضره مسؤولون إداريون من المنطقة، حيث تحدثا عن المخاوف التي تساور المشردين داخلياً من أهالي المناطق الريفية، ومدى ما يشعرون به من صعوبة في العودة إلى قراهم خشية التعرض للمضايقات ولمزيد من الهجمات على أيدي "الجنجويد". وورد أنهما اعتُقلا من الشارع عقب الاجتماع، وقد أُطلق سراحهما بعد حوالي يومين.
سجناء الرأي الذين قُبض عليهم خارج دارفور
فُرضت رقابة صارمة على موضوع دارفور في وسائل الإعلام حتى أنه لا يتسنى سوى لقليل من الناس في باقي أرجاء السودان أن يتفهموا بشكل جيد ما يحدث في دارفور ما لم يكن لهم معارف من الجماعات التي استُهدفت في دارفور. ويعتقد معظم الناس أن الصراع هناك هو بالأساس صراع قبلي، وهذا هو الانطباع الذي تحاول الحكومة تقديمه في وسائل الإعلام. وقد عمل أعضاء منظمات حقوق الإنسان والمحامون والنشطاء داخل السودان بشجاعة من أجل الدفاع عمن قُبض عليهم، والمجاهرة بالحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان، واستُهدف بعضهم من جراء ذلك. وقد يجد محررو الصحف التي تحاول تقديم مزيد من المعلومات عن الصراع أن الأعداد المطبوعة من الصحيفة قد صُودرت، وأن ثمة اتهامات موجهة إليهم بموجب مواد في القانون الجنائي، مثل المادة 103 (تهديد أمن البلاد)، أو المادة 66 (نشر أخبار كاذبة).

ويتمثل أخطر مصدر للمعلومات بالنسبة للحكومة السودانية في القنوات الفضائية، التي لا يمكن مصادرة موادها قبل البث، كما أنها تُشاهد في كثير من البيوت. وقد كانت قناة "الجزيرة"، وهي قناة مستقلة مقرها قطر، أحد مصادر المعلومات عن دارفور، وكذلك أكثر قناة فضائية استهدفتها الحكومة. فمع نهاية عام 2003، بدأت الحكومة تستهدف قناة "الجزيرة" ومدير مكتبها في السودان إسلام صالح بيلو، وهو مراسل مقرب من حزب "المؤتمر الشعبي" الذي يتزعمه حسن الترابي، والذي اتُهم بأنه محرض الجماعة المسلحة "حركة العدالة والمساواة" في دارفور". وبعد ضغوط من جهاز الأمن الوطني تنطوي على تحذير بأنه سوف يتخذ إجراءات إذا لم تخفف القناة من نبرتها في تغطيتها الإخبارية بخصوص دارفور، داهم جهاز الأمن الوطني مكتب "الجزيرة" يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2003، وصادر جهاز البث الحي وثلاث آلات تصوير، قائلاً إن الإجراءات الجمركية الخاصة باستيرادها لم تُستكمل. وفي اليوم التالي، أغلق الأمن المكتب وألقى القبض على إسلام صالح بيلو، حيث احتُجز لمدة ستة أيام. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن جهاز الأمن الوطني قوله في بيان له "لجأت قناة الجزيرة، عبر مكتبها في الخرطوم ومراسلها إسلام صالح بيلو، على إعداد وبث مجموعة من البرامج والمواد المحشوة بالمعلومات الكاذبة والتحليلات المتحاملة والصور والمشاهد المنتقاة لخدمة تلك الأهداف". ودلل البيان على ذلك بما بثته القناة من مواد عن مرض الدرن وضحايا الألغام الأرضية في السودان والأحداث في منطقة غرب دارفور. وأكد البيان "عدم فتح المكتب إلا بعد قيام رئاسة القناة بخطوات جادة لتصحيح الأخطاء ومعالجة السلبيات وتكليف أشخاص مسؤولين يؤدون رسالة القناة بحيادية ومهنية".

وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2003، أُلقي القبض على الدكتور مضوي إبراهيم آدم، مدير "المنظمة السودانية للتنمية الاجتماعية"، وهي منظمة تطوعية أُسست بهدف تعزيز التنمية المستدامة وحقوق الإنسان، وذلك في منزله في الخرطوم. ويُذكر أن لدى هذه المنظمة شبكة من نشطاء حقوق الإنسان، وقد شاركت في تقديم مساعدات غير غذائية للنازحين داخلياً في دارفور. كما قام الدكتور مضوي، وهو من أهالي دارفور، بزيارات كثيرة للمنطقة، وكان قد عاد لتوه من إحدى هذه الزيارات عندما اعتُقل.

وقد احتُجز الدكتور مضوي أولاً في مركز الأمن الوطني في الخرطوم، ثم نُقل إلى سجن كوبر، وذلك بموجب المادة 31 من "قانون قوات الأمن الوطني" التي تجيز احتجاز أشخاص لفترة تصل إلى تسعة أشهر بدون محاكمة. وفي 7 فبراير/شباط، بدأ إضراباً عن الطعام مطالباً بتوجيه اتهام إليه وتقديمه إلى المحاكمة أو إطلاق سراحه، وأنهى إضرابه بعد يومين لدى مثوله أمام النائب العام. وعندئذ، وُجهت إليه حوالي تسع تهم بموجب القانون الجنائي، وبينها كثير من التهم التي يُعاقب عليها بالإعدام ولا يجوز الإفراج عن المتهم بكفالة، وهي من الجرائم الموجهة ضد الدولة بموجب المواد 50، و51 و56 من القانون الجنائي. كما وُجهت إليه تهمة إثارة الكراهية ضد الطوائف أو بينها بموجب المادتين 63 و64. واحتُجز الدكتور مضوي مع المعتقلين الجنائيين في زنازين الاحتجاز بمقر النائب العام، إلى أن نُقل في إبريل/نيسان ليوضع رهن الإقامة الجبرية في منزله. وتمثلت الأدلة المقدمة ضده في 14 وثيقة، من بينها وثيقتا تحرك عاجل أصدرتهما منظمة العفو الدولية (وإحداهما لا تخص دارفور). ولا تزال المحاكمة مستمرة.

وهناك كثير من المحامين ضمن من اعتُقلوا في دارفور ويُحتجزون في السجون السودانية، ومن بينهم صالح محمود عثمان، وهو محام معني بحقوق الإنسان ومقره في نيالا، وتولى الدفاع في كثير من القضايا السياسية فضلاً عن تقديم المشورة القانونية لمن يواجهون عقوبة الإعدام. وقد قُبض عليه في الساعة الحادية عشرة مساءً يوم 1 فبراير/شباط في منزل زوجته في واد مدني، ولا يزال رهن الاحتجاز. ولم يُسمح لأسرته بزيارته طيلة الشهرين الماضيين. كما احتُجز في سجن كوبر وغيره من السجون لعدة أسابيع أو أشهر كثير من المحامين الآخرين من أهالي دارفور المقيمين في الخرطوم، مثل بارود صندل، وهو أحد المحامين الذين يدافعون عن الدكتور مضوي إبراهيم آدم؛ ومحمد عمر محمد؛ وإسماعيل عمر؛ ومحمد عبد الله دومة. وكثيرا ما كان المحامون من أهالي دارفور المقيمين في خرطوم محط اهتمام أهالي دارفور، حيث يزورون مكاتبهم لتبادل المعلومات بشأن دارفور، وربما كان هذا هو السبب في اعتقال كثير من هؤلاء المحامين. وفي أعقاب ما حدث للدكتور مضوي إبراهيم، والذي أدت مطالبته بتوجيه اتهام إليه أو تقديمه للمحاكمة إلى توجيه مجموعة من التهم التي يُعاقب عليها بالإعدام، لم يعد المعتقلون الآخرون الذين قبض عليهم جهاز الأمن يطالبون بمحاكمة عادلة، مفضلين أن يظلوا على أمل أن يؤدي الوضع السياسي في نهاية المطاف إلى إطلاق سراحهم.

اعتقال أعضاء في حزب المؤتمر الشعبي

في أكتوبر/تشرين الأول 2003، أُطلق سراح جميع أعضاء حزب "المؤتمر الشعبي"، بما في ذلك الدكتور حسن الترابي، والذين اعتُقلوا لمدة عامين. ومع ذلك، أُلقي القبض يومي 29 و30 مارس/آذار 2004 على ما يزيد عن 15 من أعضاء حزب "المؤتمر الشعبي" إلى جانب نحو 10 من ضباط الجيش. وقد وُجهت إليهم تهم متنوعة، من بينها تدبير انقلاب والتخطيط لتفجير محطة للطاقة الكهربائية. وقال بيان صادر عن الحكومة إن حسن الترابي قد اعتُقل بتهمة "التحريض على العنف والفتن الطائفية والإقليمية في مختلف ولايات البلاد". ويُعتقد على نطاق واسع أن السبب وراء هذه الاعتقالات يكمن في العلاقة بين "المؤتمر الشعبي" و"حركة العدالة والمساواة". وبحلول 11 مايو/أيار 2004، كان نحو 69 من أتباع الدكتور حسن الترابي قد اعتُقلوا. ولم يُقدم أي منهم بعد للمحاكمة.

التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة

لاحظت منظمة العفو الدولية أن تعذيب المعتقلين كان متفشياً في دارفور على مدى الأعوام الماضية، فيما يبدو، وكانت الحالات تُسجل بصورة أكبر من المناطق الأخرى في السودان. وبالرغم من إثارة كثير من ادعاءات التعذيب في المحاكم، لم يتم إجراء تحقيقات في أي من هذه الادعاءات، على حد علم منظمة العفو الدولية. ومن هذه الحالات:

· تعرض 30 شخصاً، قُبض عليهم في كرنوي في نهاية إبريل/نيسان 2003، للتعذيب، حسبما ورد. وقد أُفرج عنهم بعد 20 يوماً، وزُعم أن آثار الضرب والحروق كانت لا تزال بادية على أجسادهم. وكانت الحروق شديدة بالنسبة لاثنين منهم، وهما شريف أحمد فرج كبير وأبو بكر زكريا، مما استدعى نقلهما إلى المستشفى.
· وفي نزاع بين اثنتين من الجماعات العرقية العربية، قبضت قوات الأمن على 45 من قبيلة "المعالية" من بلدة عديلة في ولاية جنوب دارفور يوم 4 مايو/أيار 2003، حيث احتجزهم أفراد الأمن بمعزل عن العالم الخارجي لمدة شهرين. ولإرغامهم على الاعتراف بقتل سبعة من أفراد قبيلة "الرزيقات"، تعرض ثمانية منهم للتعذيب، ومن بينهم حسن محمد إسماعيل والطيب يوسف عجيب، وذلك بالضرب وإدخال مواد معدنية في الشرج، حسبما ورد. وبعد أن أُثير موضوع التعذيب على نطاق واسع داخل المحكمة وخارجها، قررت المحكمة الخاصة إسقاط القضية عن الجميع باستثناء متهم واحد، وذلك نظراً لعدم كفاية الأدلة. وقد حُكم بالإعدام على متهم واحد، هو عبد الله أقاي أكوت، وهو من قبيلة "الدنكا". وورد أيضاً أنه تعرض للتعذيب بالضرب لإرغامه على الاعتراف بالجريمة. ولم يُفصل بعد في الاستئناف الذي تقدم به.
· وفي 15 مارس/آذار 2004، أُلقي القبض في نيالا على الدكتور علي أحمد داود، وهو جراح بيطري، وعلي حسين دوسة، عضو المجلس الوطني (البرلمان) عن ولاية جنوب دارفور. وكان الدكتور على أحمد داود يحضر اجتماعاً في منزل على حسين دوسة مع 20 شخصاً آخرين يُعتقد أنهم جميعاً من قبيلة "الفور". وذكرت الأنباء أنهم كانوا يناقشون السبل الكفيلة بالضغط على الحكومة من أجل اتخاذ خطوات صارمة لوقف الهجمات التي تشنها ميليشيات "الجنجويد" التي تساندها الحكومة على قرى المنطقة. وتردد أن أفراد قوات الأمن داهموا الاجتماع واعتقلوا الدكتور علي أحمد داود وعلي حسين دوسة وحوالي 20 آخرين من الحاضرين، واتهموهم بأن لهم صلات مع جماعات المتمردين. وقد أُطلق سراح الآخرين، حسبما ورد، بينما تعرض الرجلان للتعذيب الشديد لدرجة أن الأمر تطلب استدعاء طبيب لمعالجتهما، حسبما ورد. وتردد أنهما اتُهما بالتجسس لحساب "جيش تحرير السودان"، ولكنهما لم يُقدما للمحاكمة. وقد نُقلا إلى سجن كوبر ومنه إلى سجن دبك، ثم أُعيدا لاحقاً إلى سجن كوبر حيث يُحتجزان حالياً. كما ظل 12 طالباً من جامعة نيالا، قُبض عليهم خلال تلك الفترة، رهن الاحتجاز لمدة ثلاثة أيام، تعرضوا خلالها للضرب بالعصي الخشبية وأسلاك الكهرباء على أيدي ضباط الأمن، حسبما ورد. وقال الطلاب إن أفراد جهاز الأمن صبوا مياه باردة على أجسادهم، وأجبروهم على أداء تدريبات رياضية شاقة، كما وجهوا إليهم إهانات لفظية، بقولهم إن أبناء القبائل الإفريقية عبيد.
· وفي أعقاب هجوم شنه "جيش تحرير السودان" على بلدة بورام في منتصف مارس/آذار، وردت أنباء تفيد بالقبض على عدد من الأشخاص، وأعقب ذلك تعرضهم للتعذيب، على أيدي أفراد جهاز الأمن الوطني أو المخابرات العسكرية، حسبما ورد. وقد اعتُقل ثمانية أشخاص، وهم الصادق أحمد حربة، وهو من نيالا ويبلغ من العمر 32 عاماً؛ وهارون بشير، وهو تاجر أسماك يبلغ من العمر 35 عاماً؛ وعبده [لا يُعرف باقي الاسم]، وهو تاجر زيت طعام؛ ومحمد يوسف، وهو تاجر ذرة سكرية ويبلغ من العمر 43 عاماً؛ ومحمد آدم حوري، وهو ناظر مدرسة القائد ديبا الابتدائية ويبلغ من العمر 45 عاماً؛ وزكريا ماديبو، وهو تاجر ذرة سكرية ويبلغ من العمر 60 عاماً؛ ومحمد أحمد أبو كنتوش، ويبلغ من العمر 55 عاماً؛ والفقيه عبد الله كيرايكيرو، وهو عالم دين يبلغ من العمر 45 عاماً، حيث احتُجزوا لمدة تسعة أيام في معسكر تابع للجيش، وهناك تعرضوا للضرب بالعصي وكعوب البنادق، ورُبطوا في شجرة في وضع مقلوب، كما رُبطوا معاً في مؤخرة شاحنة لمدة أربعة أيام بدون طعام أو ماء، حسبما ورد. وزُعم أن المحققين أدخلوا عنوةً قضيباً من الحديد في شرج هارون بشير. وبعد تسعة أيام، نُقلوا إلى السجن العسكري في نيالا، حيث لم يُقدم لهم أي طعام طيلة ثلاثة أيام. وفي نيالا، أُطلق سراح أحد المعتقلين، وهو الصادق أحمد حربة، ويُعتقد أن المعتقلين الآخرين لا يزالون محتجزين في السجن العسكري في نيالا دون أن يُسمح للمحامين بزيارتهم.
· وقام أفراد من جهاز الأمن الوطني، في التاسعة من صباح 29 مارس/آذار 2004، بالقبض على عبد الكريم جابر نارو، وهو تاجر يبلغ من العمر 48 عاماً؛ وعبد الشافي بدوي بشير، وهو تاجر من نيالا يبلغ من العمر 35 عاماً، والاثنان ينتميان لقبيلة "الزغاوة"، وذلك أثناء وجودهما في متجر عبد الكريم جابر نارو في بلدة بورام بجنوب دارفور. واحتُجز الاثنان في مركز شرطة بورام لمدة شهر بدون تهمة أو محاكمة، وذلك فيما يبدو للاشتباه في أنهما ساعدا في الهجوم الذي شنه "جيش تحرير السودان" على بلدة بورام، وكذلك مستشفى بورام، في مارس/آذار. وخلال احتجازهما، تعرضا للضرب بالأيدي والقضبان المعدنية على الظهر والبطن، كما جُلدا بخراطيم المياه وتعرضا للركل في جميع أجزاء الجسم، حسبما زُعم. وأفادت الأنباء أنهما حُرما من تلقي العلاج الطبي، وأنهما لا يزالان رهن الاحتجاز في سجن بورام.
ظروف الاحتجاز القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

كان معظم من اعتُقلوا في دارفور بسبب الصراع هناك يُحتجزون لا في سجون، حيث الأوضاع أفضل نسبياً، بل في مراكز تابعة لقوات الأمن أو المخابرات (وقد برزت في مارس/آذار 2004 ضمن جهاز مشترك أُطلق عليه اسم "جهاز الأمن والمخابرات الوطني")، أو في مراكز تابعة للجيش أو المخابرات العسكرية. ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، بالنسبة للمحامين والأهالي الاتصال بالمعتقلين في المراكز العسكرية التي تقع في مناطق عسكرية. وقد وصف اثنان من المعتقلين، وهما من أهالي الطينة واحتُجزا في الفاشر، الظروف في مركز المخابرات العسكرية هناك بأنها بالغة السوء، وقال أحدهما:

"نُقلت من الطينة جواً إلى مقر المخابرات العسكرية في الفاشر، وهناك بقيت أربعة شهور. لم تُوجه إلي مطلقاً أية تهمة بارتكاب أية جريمة، ولم أقابل أحداً بالمرة، سواء من عائلتي أو من المحامين. وكثيراً ما كنت أتعرض للضرب، كما عرضوني لصدمات كهربائية لإرغامي على إخبارهم بأشياء. لم يكن يُقدم لنا سوى كوب من الماء في اليوم، وكان الطعام قليلاً وفي شدة السوء. احتُجزت مع 25 آخرين في زنزانة واحدة لا توجد بها مراحيض. وتُوفي ثلاثة أشخاص في المعتقل أثناء وجودي هناك، وهم: شريع عبد الرحمن، من الطينة؛ وعبد الرحيم طه رجاء، وهو محام من كُتُم؛ وحجار يوسف حجار. لقد مرض ولم يحضروا له طبيباً حتى تُوفي".

وفي مارس/آذار 2004، نُقل عدد من المعتقلين من أهالي الخرطوم من سجن كوبر، حيث يوجد قسم يخضع لإشراف الأمن الوطني ومخصص للمعتقلين السياسيين الذين يُحتجزون بموجب المادة 31 من "قانون قوات الأمن الوطني"، إلى سجن دبك الذي يبعد قرابة 40 كيلومتراً شمالي الخرطوم. وقد وصف أحد دعاة حقوق الإنسان سجن دبك بأنه السجن "الذي يُوضع فيه من يريدون إذلاله". ويُقال إنه شديد القذارة، وحار، ويتفشى فيه الناموس، كما يتسم حراسه بالعدوانية. وبعد احتجاجات من نشطاء حقوق الإنسان والأهالي، نُقل المعتقلون من هذا السجن في مطلع مايو/أيار، ووُزعوا على سجون في مختلف أنحاء البلاد.

حالات "الاختفاء"

ذكرت الأنباء أن عدداً من الأشخاص الذين قُبض عليهم قد "اختفوا". ولا يزال مصير هؤلاء في طي المجهول، وخاصة في ظل حالة الاضطراب حيث تفر العائلات إلى تشاد أو إلى بلدات أخرى داخل دارفور. ومن الصعب للغاية بالنسبة لأي شخص، بما في ذلك الأقارب، معرفة أسماء المعتقلين المحتجزين في مراكز الاعتقال في دارفور. ولا تُنشر أية قوائم بأسماء المعتقلين، ولا يتسنى للأقارب دخول مراكز الاعتقال إلا بصعوبة، هذا إذا سُمح لهم أصلاً بالدخول. ويُحتجز كثير ممن قُبض عليهم لأسباب سياسية بصورة سرية، وبمعزل عن العالم الخارجي. ويُحتمل أن يكون بعض الذين ورد أنهم "اختفوا" عقب القبض عليهم لا يزالون محتجزين في هذا السجن أو ذاك، ويُحتمل أن يكون البعض الآخر قد تُوفوا أثناء احتجازهم أو أُعدموا خارج نطاق القضاء. ويُحتمل أن يكون آخرون قد فرّوا من سجانيهم ووصلوا إلى أحد مخيمات اللاجئين أو انضموا إلى إحدى الجماعات المسلحة.

ومما يبعث على القلق بوجه خاص "اختفاء" بعض المعتقلين، بما في ذلك "اختفاء" عدد من المقاتلين الذين وقعوا في الأسر. ويُحتمل أن يكون بعض المقاتلين الأسرى قد وافقوا على العمل مع الحكومة وأنهم الآن ضمن القوات الحكومية، ولكن بالنظر إلى مصير من وقعوا في الأسر من مقاتلي "الجيش الشعبي لتحرير السودان" خلال الحرب في الجنوب، فإن ثمة مخاطر من احتمال أن يكون أولئك الذين لم يُفرج عنهم قد أُعدموا خارج نطاق القضاء.(13) ومن بين الذين "اختفوا" بعد القبض عليهم، فيما يبدو، الحالات التالية:

· الهادي آدم، وقد زُعم أن القوات الحكومية ألقت القبض عليه في كُتُم مع آخرين كثيرين قبيل اندلاع القتال بين القوات الحكومية وجماعات مسلح في يوليو/تموز 2003. وقد أُطلق سراح آخرين فيما بعد، ومعظمهم بعد وقف إطلاق النار، ولكنه لم يُشاهد منذ ذلك الحين.
· وقُبض على عدد من الأشخاص في سلية في الشهور التي سبقت اندلاع القتال هناك في عام 2003، ومن بينهم إسحاق عبد الله، وهو تاجر قُبض عليه في يونيو/حزيران 2003 في قرية كونقوك، الواقعة شمال شرق الجنينة، وذلك إثر ورود شكاوى للحكومة بأنه كان يفشي أسرار ميليشيات "الجنجويد"، حسبما زُعم؛ وآدم عبد الله، وقد كُبل بالسلاسل وتعرض للضرب بعد القبض عليه، حسبما ورد؛ وأبكر آدم، وهو مزارع يبلغ من العمر 37 عاماً وقُبض عليه على الطريق المؤدي إلى سلية، وإسماعيل يحيى، وهو مزارع يبلغ من العمر 40 عاماً وقُبض عليه على الطريق المؤدي إلى سلية. ولم يُشاهد أي من هؤلاء منذ ذلك الحين، حسبما ورد.
· وذكر "جيش تحرير السودان" أن القوات الحكومية أسرت 79 شخصاً من المقاتلين وغير المقاتلين، وأُسر معظمهم في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2003 ولم يُفرج عنهم بعد وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر/أيلول 2003، ولا يزال مكانهم في طي المجهول حتى الآن. وقد ذكر ميني أركوي مناوي، أمين عام "جيش تحرير السودان"، أنه سُمح لاثنين منهم، وهم محمد آدم موسى، وأبكر تكي جاموس، بالاتصال به هاتفياً بعد بضعة أيام من أسرهما، باستخدام هاتف محمول استعاراه من الجيش السوداني، حيث أبلغاه بأسماء من أُسروا. وقال محمد أحمد موسى إن ساقه كُسرت. ومن بين "المختفين" أربعة مدنيين، هم: سليمان محمود نابي وزوجته، وحسين نهار جرار ووالده نهار جرار و33 آخرين من مقاتلي "جيش تحرير السودان"، تردد أنهم أُسروا خلال معركة أبو قمرة في أغسطس/آب. وقد أثار وفد "جيش تحرير السودان" في مفاوضات أبيشيه مسألة عدم الإفراج عن أولئك المعتقلين، ولكن وفد الحكومة نفى أنهم محتجزين لدى الحكومة.
وفي يناير/كانون الثاني 2004، قدمت منظمة العفو الدولية إلى السفارة السودانية في لندن قائمة بأسماء من تردد أنهم "اختفوا" عقب القبض عليهم. ولكن المنظمة لم تتلق أية إيضاحات عن مصيرهم. ومن بين هؤلاء 28 من مقاتلي "جيش تحرير السودان" قُبض عليهم في ديسة يوم 18 يونيو/حزيران.

الخلاصة

قلما يأتي ذكر للاعتقال التعسفي لعشرات الأشخاص والمحاكمات الجائرة لآخرين في سياق الحديث عن كارثة حقوق الإنسان في دارفور، حيث اضطُر ما يقرب من مليون شخص إلى الرحيل عن قراهم المدمرة، كما قُتل آلاف الرجال والنساء والأطفال، وتعرضت عشرات النساء للاغتصاب.

إلا إن تقاعس من كان ينبغي عليهم حماية السكان في فترة تصاعد الاضطرابات، أي الشرطة والنظام الأمني والمحاكم القانونية، أدى إلى خلق أزمة إنسانية وأزمة لحقوق الإنسان على مدى عامي 2003 و2004. وقد نشأ بالفعل نسق من الظلم، مع وجود الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة وإجراءات المحاكمة التي تشوبها المثالب في المحاكم الخاصة. وبحلول عام 2003، أصبح كثير من الناس في دارفور يشعرون بأنه ما من سبيل للحصول على الإنصاف والعدالة من الدولة فيما يتعلق بأعمال القتل والهجمات، في ظل نظام يسيطر عليه أفراد الأمن الذين لا يخضعون للمحاسبة.

وخلال الأزمة الحالية، اعتقلت قوات الأمن مئات الأشخاص لأسباب تتعلق بالصراع، ولم يمثل هؤلاء أمام القضاة إلا فيما ندر. وكان الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي بدون محاكمة أمراً معتاداً بالنسبة للمعتقلين السياسيين. ومن المستحيل في غياب محاكمة عادلة أن يُعرف البريء من المذنب.

ولو توفرت حرية التعبير، بما يتيح إجراء مناقشات وافية في صفوف المجتمع المدني السوداني عن أسباب الأزمة والحلول التي يمكن أن تحظى بقبول كل الجماعات التي تعيش في دارفور، لكان بالإمكان الحيلولة دون وقوع ألاف من أعمال القتل فضلاً عن العواقب الفادحة لتلك المأساة. إلا إن الرقابة على الصحافة، وعدم السماح بالحصول على المعلومات وإجراء المناقشات بحرية، أديا إلى إخراس الانتقادات في السودان لسياسة الحكومة في دارفور. ومما ساعد على انتشار مناخ من الخوف وعزوف الناس عن توجيه الانتقادات علانيةً أن من بين الذين اعتُقلوا كثيرين من سجناء الرأي، الذين زُج بهم في السجون دونما سبب سوى التعبير عن معتقداتهم دون استخدام العنف أو الدعوة لاستخدامه، ومن بينهم دعاة لحقوق الإنسان ومحامون ومهنيون وطلاب، بل وزعماء قرى لم يرتكبوا أي جرم سوى الحديث جهاراً عن الخوف الذي يساور أبناء قراهم.

ولا يكفي أن تفرج الحكومة عن أولئك الذين اعتُقلوا، إذ مرت فترات كانت السجون السودانية فيها خالية تقريباً. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2003، على سبيل المثال، لم يكن هناك سوى سجينين في جناح السياسيين في سجن كوبر، كما كان قد أُفرج عن عشرات المعتقلين في دارفور. ولكن ما دامت المادة 31 من "قانون قوات الأمن الوطني" باقية في سجل القوانين، وما دام القانون يجيز لأفراد الأمن الوطني احتجاز أشخاص بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة دون توجيه تهمة إليهم، فضلاً عن ممارسة أعمال التعذيب وسوء المعاملة وهم بمنأى عن العقاب، فسوف يظل نظام القضاء الوطني عاجزاً عن حماية حقوق الإفراد، ولن يشعر أي من منتقدي الحكومة أو المحامين أو المدافعين عن حقوق الإنسان بأنه في مأمن من الاعتقال التعسفي.

وتتقدم منظمة العفو الدولية بالتوصيات التالية إلى الحكومة التالية، من أجل إعادة بناء نظام العدالة:

التوصيات

- إطلاق سراح المعتقلين: الإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع سجناء الرأي، والإفراج عن المعتقلين الآخرين بسبب الصراع ما لم تتم إحالتهم على وجه السرعة إلى المحاكمة بناءً على تهم جنائية معترف بها في محاكمات تتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ودون اللجوء إلى فرض أحكام الإعدام أو غيرها من العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
- إلغاء الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي: ينبغي السماح لجميع المقبوض عليهم بالاتصال على وجه السرعة بذويهم وبالمحامين وبالحصول على المساعدة الطبية.
- منع التعذيب: ينبغي أن يُعامل جميع المحتجزين معاملة إنسانية. وينبغي أن تُسجل جميع مراكز الاحتجاز وأن تخضع للتفتيش بمعرفة هيئة للتفتيش تابعة لوزارة العدل. ويجب السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر ولهيئة التفتيش التابعة لوزارة العدل بزيارة جميع مراكز الاحتجاز في دارفور؛ وإجراء تحقيقات نزيهة على وجه السرعة في حالات التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم مرتكبيها إلى ساحة العدالة. كما ينبغي السماح لمراقبي وقف إطلاق النار ومراقبي حقوق الإنسان بزيارة جميع مراكز الاحتجاز.
- الإحالة للقضاء على وجه السرعة: ينبغي إلغاء المادة 31 من "قانون قوات الأمن الوطني"، التي تجيز احتجاز أشخاص بدون تهمة ولا محاكمة لمدة تصل إلى تسعة أشهر.
- إجراء محاكمات عادلة: ينبغي إلغاء المحاكم الخاصة ذات الإجراءات المقتضبة التي تتنافى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وينبغي أن يستفيد جميع المعتقلين من مبدأ افتراض البراءة، وأن يُسمح لهم بمقابلة محاميهم على انفراد ودون تدخل، وأن يُتاح لهم حق الدفاع. ويجب ألا تُستخدم أية إفادة انتُزعت تحت التعذيب كدليل ضد أي من المشتبه فيهم.
- منع حوادث "الإخفاء": ينبغي أن يُحتجز جميع المعتقلين في مراكز احتجاز معترف بها، وأن تُسجل أسماؤهم، وأن يُبلغ أهلهم بنبأ احتجازهم. وينبغي التحقيق في حالات "الإخفاء"، ومعاقبة مرتكبي حوادث "الإخفاء". ويجب إطلاق سراح جميع "المختفين" ما لم تتم على وجه السرعة إحالتهم إلى محاكمة عادلة بناء على تهم جنائية معترف بها. وإذا كان "المختفون" قد أُعدموا خارج نطاق القضاء، فينبغي تقديم تعويضات لأسرهم.
- منع الإفلات من العقاب: ينبغي إحالة كل من ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو أمر بارتكابها أو كان ضالعاً فيها إلى ساحة العدالة في محاكمات عادلة لا تنطوي على احتمال صدور أحكام بالإعدام.
- ضمان حرية التعبير: ينبغي على حكومة السودان أن تكفل الحق في حرية التعبير، وأن تلغي القيود المفروضة على الصحافة. وينبغي أن تكف أجهزة الأمن عن أعمال القبض والترهيب والمضايقة ضد وسائل الإعلام المستقلة والصحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام.
- تعويض الضحايا: يجب أن يكون لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك من فقدوا أفراداً من أسرهم، ومن تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك من تعرضوا للاغتصاب أو الإيذاء، ومن فقدوا بيوتهم أو ممتلكاتهم، الحق في نيل الإنصاف، بما ذلك الحصول على تعويضات عما كابدوه. ويجب أن توصي لجنة تقصي الحقائق، التي شكلتها الحكومة السودانية في مايو/أيار برئاسة دفع الله الحاج يوسف رئيس القضاء السابق، بإنشاء آلية يمكن من خلالها تعويض الضحايا.
********

(1) من بين هذه المعايير: "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، وقد صدَّق عليهما السودان في عام 1984، و"مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن"، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1988.

(2) وضع حقوق الإنسان في إقليم دارفور بالسودان (Report E/CN.4/2005/3, para 103)

(3) "السودان: دارفور: "عدد كبير من الأشخاص يُقتلون بلا سبب" (رقم الوثيقة: AFR 54/08/2004)، فبراير/شباط 2004.

(4) المرجع السابق، الفقرة 2-2-2.

(5) وثيقة الأمم المتحدة رقم: E/CN.4/2005/3, para 92.

(6) بشكل عام تُعرف الميليشيات التي تدعمها الحكومة، والتي تتألف في معظمها من جماعات العرب الرُحل، باسم "الجنجويد" أو "الفرسان".

(7) من بين الهجمات التي أعقبت ذلك، هجوم شنته ميليشيات "الجنجويد"، في اليوم التالي لهجوم المطار، على سوق ومسجد بلدة مورلي غربي دارفور، مما أسفر عن مقتل نحو 60 شخصاً.

(8) "السودان: وعود جوفاء؟ انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة" (رقم الوثيقة: AFR 54/036/2003)، يوليو/تموز 2003.

(9) انظر التقرير المعنون: "دارفور قد دُمرت: التطهير العرقي من قبل قوات الحكومة والميليشيات في غرب السودان"، منظمة "هيومن رايتس ووتش"، مايو/أيار 2004، المجلد 16، العدد 6 (أ).

(10) وقع السودان في عام 1964 على "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، ولكنه لم يصدق عليها. إلا إن المبدأ المتمثل في عدم جواز الاعتداد بالاعتراف المنتزع تحت وطأة التعذيب كدليل ضد المتهم هو من المبادئ التي نص عليها "الإعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975.

(11) أسس حزب "المؤتمر الشعبي" الدكتور حسن الترابي، الذي كان المنظر الرئيس لحكومة "الإنقاذ" بزعامة الفريق الركن عمر حسن البشير من عام 1989 إلى عام 1991 حين انشق على الحكومة. ويُعتقد أن أعضاء الحزب تربطهم صلات مع "حركة العدالة والمساواة"

(12) لمزيد من المعلومات عن أسلوب الاستدعاء المتكرر للحضور لدى أجهزة الأمن كنوع من المضايقة أو العقاب، انظر التقرير المعنون " السودان: وعود جوفاء؟ انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة" (رقم الوثيقة: AFR 54/036/2003)، يوليو/تموز 2003، ص 32.

(13) "لا تتوفر أية معلومات واضحة تقريباً عن مصير المقاتلين الذين أُسروا في مناطق النزاع. إلا إن الحرب تتسم بعدم وجود أسرى رهن الاحتجاز. ويرجع ذلك فيما يبدو إلى أن الحكومة تقدم بانتظام على إعدام المقاتلين الذين يقعون في الأسر، إن لم يتيسر استخدامهم لأغراض الاستخبارات.ويبدو أن جنود "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذين يسلمون أنفسهم طواعية للقوت الحكومية هم أقل عرضةً لخطر الإعدام." "السودان: دموع اليتامى" (رقم الوثيقة: AFR 54/02/95)، يناير/كانون الثاني 1995، ص 67.